في خطوة استباقية لقمع مظاهرة مرتقبة، نفذت ميليشيا الحوثي حملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من موظفي مصنع إسمنت عمران شمال العاصمة صنعاء، لمنعهم من تنظيم وقفة احتجاجية تطالب بإعادة تشغيل المصنع المتوقف منذ مايو الماضي، عقب غارات جوية إسرائيلية دمّرته جزئيًا.
ووفقًا لمصادر محلية نقلتها صحيفة الشرق الأوسط، فقد قاد الحملة قياديون بارزون في الجماعة، من بينهم يحيى عطيفة المعين رئيسًا لمؤسسة صناعة وتسويق الأسمنت، ونايف أبو خرشفة المعين مديرًا لأمن عمران. ووجّه هؤلاء أوامر مباشرة لأجهزة الأمن الحوثية لمداهمة منازل موظفي المصنع واعتقالهم، بعد رصد تحركات تدعو للاحتجاج على الوضع الراهن.
وأشارت المصادر إلى أن عناصر حوثية أمنية واستخباراتية نفذت مداهمات في مدينة عمران ومحيطها، واعتقلت نحو 28 موظفًا من العاملين في المصنع، تم نقلهم إلى سجون تابعة للجماعة. وتحدثت المصادر عن لجوء الحوثيين إلى مساومات مع بعض المعتقلين، مقابل الإفراج عنهم بشرط الامتناع عن أي نشاط احتجاجي، والانخراط في فعاليات موالية للجماعة.
كما كشفت المصادر عن أن الاعتقالات استندت إلى تقارير كيدية من موظفين جُدد جرى تعيينهم مؤخرًا ضمن طاقم المصنع من قبل الحوثيين، رغم افتقارهم لأي مؤهلات فنية أو إدارية، في محاولة لإحكام السيطرة على المنشأة.
وأثارت الحملة ردود فعل غاضبة في الأوساط الحقوقية والشعبية، حيث وصفها ناشطون بأنها تمثل "انتهاكًا سافرًا للقوانين والدستور"، وتندرج ضمن سياسة التجويع والتنكيل التي تنتهجها الجماعة بحق موظفي القطاع العام في مناطق سيطرتها.
خالد، شقيق أحد المعتقلين، أكد أن أخاه يعاني من ظروف نفسية وصحية صعبة منذ توقف المصنع، وأن الأسرة المكونة من ستة أطفال لم تتلقَ أي دعم من الجماعة، بل جرى اعتقال معيلها لمجرد مطالبته بحقه في العيش.
وفي تطور موازٍ، أصدر مدير المصنع المعين من الحوثيين نهاية الشهر الماضي قرارات تعسفية بإحلال 18 من عناصر الجماعة بدلًا من موظفين رسميين، وُجّهت لهم اتهامات بالتحريض على التظاهر.
ويُعد مصنع إسمنت عمران، الذي أُسِّس عام 1979 ويقع على بعد 50 كيلومترًا شمال صنعاء، من أكبر المنشآت الصناعية في اليمن، ويعمل فيه نحو 1500 موظف، بينما تعتمد أكثر من 10 آلاف أسرة على نشاطه بشكل غير مباشر في مجالات النقل والخدمات.
في الوقت الذي تزعم فيه الجماعة أن إعادة تشغيل المصنع تتطلب تمويلًا ومعدات أجنبية، تؤكد تقارير محلية أن الحوثيين كانوا يحققون من المصنع قبل توقفه أرباحًا شهرية تصل إلى 15 مليون دولار، ما يعادل أكثر من 8 مليارات ريال يمني، وهو ما يكشف عن توافر الإمكانيات، مقابل غياب الإرادة السياسية لمعالجة معاناة العاملين.
وتبقى المظاهرات المؤجلة والاعتقالات المتصاعدة شاهدًا على واقع يزداد اختناقًا، ويضع آلاف الأسر أمام معادلة صعبة: الصمت أو السجن.