ليس ككل صباح بعد أن انقشع ظلام الليل وتجلت الخيوط الأولى للصبح وتكبيرات العيد تتردد من كل مٱذن المدينة الغارقة في الأحزان ومن خلف ركام حطام البيوت لبعض الأسر التي عادت لتعيش تحت حطام الأبنية التي لم تثنيها قذائف العدو وصواريخه يتصاعد دخان المواقد وتتدفق رائحة إعداد الطعام حتى وصلت تلك الروائح إلى حيث هي تقف والتكبيرات من المٱذن ما زالت تهز أرجاء المدينة:
الله أكبر .. الله أكبر
تكبيرات العيد مازالت تلهم سكان المدينة المحاصرة بالجوع وصواريخ المحتل بالقوة والإستمرار وتبعث في نفوس المستوطنين الخوف وتحفز لديهم الأدرنالين كلما أرتفع صوت المكبرين عبر حطام مٱذن المدينة الباسلة :
الله أكبر .. الله أكبر
الله وأكبر ولله الحمد
يقف المستوطن الواقع بيته الذي أقامه في المستوطنة الواقعة على تل أطراف المدينة المقاومة في تأهب خوفا من تنفيذ عملية فدائية من قبل الثوار فكلما ترددت العبارة ،:
الله أكبر الله أكبر
لابد أن يكون هناك عملية فدائية
الفتاة الغزاوية مازالت تقف أمام نافذة منزلها تشتم رائحة الطعام الذي تصل رائحة تشنف أنفها ويذكرها بطعام والدتها التي كانت تعده في كل عيد قبل أن تسقط صريعة في قصف العدو للبناية التي يسكنونها هي وأخويها الصغيران ولم تكن هي في المنزل وعندما عادت من درسها وقفت مفجوعة وهي تنظر إلى البناية التي يقع منزلهم في أحد أدوارها كيف تحولت إلى ركام .
مازالت التكبيرات تصدح بها حناجر الغزاويين من كل مكان ورائحة السماقية التي كانت امها تعدها في أيام العيد وهي تقف إلى جوارها و جوار جدتها تساعدهما في تقطيع أوراق السلق وتنقية حبوب السماق من عوالقه وتقطيع البصل حتى تتصاعد الرائحة التي تختلط برائحة عطر أمها وهي تعبق المكان وتزكيه .
من خلف نافذة الكرفانة التي تسكنها هي وجدتها تنظر نحو الأحياء القريبة فليس ثمة شيء يحجب الرؤية بعد انهيار كل الأبنية والبيوت المرتفعة تحت القصف وعنجهية العدوان تتقدم نحو باب الكرفانة تفتحه مغادرة وقبل أن تنصرف ينطلق صوت الجدة مناديا:
إلى أين أنت ذاهبة صغيرتي؟
تقف الفتاة ومازال بصرها متجه نحو الأفق المفتوح
وفي ثقة تجيب ،:
جدتي. . لقد شممت رائحة أبي عندما كان يشترك في أعمال حفر الخنادق
الجدة تخاطب صغيرتها:
عودي صغيرتي الوضع غير أمن.. جيش الإحتلال يتأهب كلما ترددت تكبيرات العيد.
تستدير الفتاة الصغيرة وهي تخاطب جدتها :
بحثوا في الخزانة عن طعام فلم أجد شيء سوى بعض حبوب السماق
ما زال الصمت ملازم لحال الفتاة الصغيرة المفجوعة والمشتاقة للماضي الذي يجمعها بوالديها وأخويها الذين فقدتهم وهي تتظر صوب الأفق ثم فجاءة يرتفع صوتها والبهجة مرسومة على ناظريها:
جدتي .. مر أبي من هنا لمحت بريق عينيه من خلف اللثام كنت أود أن أهديه وجبة السماقية بنفس النكهة التي تعدها أمي لكن لايوجد طعام .
تستأنف حديثها والجدة مازالت تستمع في صمت مشفقة على صغيرتعا التي تعصف بها الأشواق لأسرتها التي مزقها العدوان:
لقد طال الحصار وفتك الجوع بالصغار والكبار
الجدة:
يربدون إذلالنا بالجوع لكن هيهات هيهات لهم أن يبلغوا مرادهم.
تقلب بعض الأمهات القدور الخاوية يوهمن صغارهم بإعداد طعام العيد وربما القدور لا تحوي سوى جبوب السماق الذي تتصاعد ريحتها تذكرهم برائحة العيد الذي غابت أفراحه وعاداته مع استمرار العدوان.
عصام مريسي