آخر تحديث :الأربعاء-03 سبتمبر 2025-03:35ص

ما بين الحرب والإعاشة، وقصع فول العليمي

الثلاثاء - 02 سبتمبر 2025 - الساعة 09:54 م
علي محمد سيقلي

بقلم: علي محمد سيقلي
- ارشيف الكاتب


منذ أن ولدت الإعاشة في رحم الأزمة، وهي تكبر في ظل الحرب كطفل مدلل لا يسأل: من أين يأكل؟ ولا إلى أي بنك تحوّل مصروفاته؟

تحولت من وجبة فطور لمقاتل على الجبهة، إلى صفقة إعاشة ازكمت أنوفنا عبر مجالس الصرف، والصرف الصحي.


نحن لا نتحدث عن فساد بسيط، بل عن ظاهرة كونية، تشبه "الثقب الأسود"، لكنه ليس في السماء، بل في جيب الوطن.

لا يرى بالعين المجردة، لكنه يبتلع الوزارات، واللجان، والمقاتلين، والجرحى، والمساكين، وميزانية الدولة.

مسكين فتحي بن لزرق، الذي فتح بيارة الإعاشة، ظنا منه أن حيتانها يمكن التعامل معهم بالكلمة والمقال.

دخل الميدان، فوجد نفسه يرقص وسط الذئاب، والثعالب، والتماسيح، وأوسخ ما خلق ربي من بشر، وكل من له علاقة بالمطبخ السياسي والجبهوي، بدءًا من رأس أعلى سلطة تشريعية في البلاد، وصولًا إلى أخمص جزمة "متحول جنسي" في أوروبا يحمل الجواز الأحمر اليمني.


ما إن فتح بن لزرق "بيارة الإعاشة"، حتى جاءه الرد: "بتهمة الخيانة العظمى!"

كاد يجن الرجل، لأنه يعرف جيدًا أن من يأكل اللقمة الأخيرة من فم الجندي، لا يستحي من إصدار بيان يؤكد فيه أن الإعاشة حق مكتسب لا يمس رغما عن أنف الحكومة ورئيسها.

وأي صحفي يحاول الاقتراب من ملف الإعاشة، يستقبل بدبابير إعلامية مدججة ببيانات التخوين وفيديوهات "اعرف عدوك".

يتّهم بمحاولة إضعاف الجبهة، التي لم تقم أصلًا إلا لتقوية حساباتهم وأرصدتهم البنكية. ثم تتكفل بعض الأسماء السرطانية الخبيثة، من طراز "ابتسام أبو دنيا" وخرفانها و"محامي مطلقات عفاش"، بالمهمة.

هؤلاء لا يكتبون، بل يتعاطون حبوب منع الصحافة، ويشخصون الصحفي بين خيارين: إما عميل، أو حوثي مندس برعاية أجندة خارجية، كما فعلوها مع فتحي.

القصة بسيطة، لكن تحتاج قليلًا من الفهم:

الإعاشة حق مكتسب لمن يموت، ومال مختلس لمن يشرف على موته.


هي مثل الحب في زمن الكوليرا، لا تدري هل هي لعلاج الجسد، أم لقتل الروح.

الجندي يرى زميله يموت من الجوع، بينما المدعو "المسوري" كل همه أن يقاضي كل من يحارب فساد المفسدين.

لا أحد منهم بما فيهم محامي المطلقات يريد الحرب أن تنتهي، لأن الإعاشة ستنقطع، ولأنه بانتهائها، تنتهي معها الامتيازات، والفلل، والصفقات، والإعاشات، ويعاد الناس إلى كوكب الوظيفة، والراتب، والنظام والقانون .


أما الآن، فالوضع مناسب تماما: جبهة لا تتحرك، وإعاشة لا تتوقف، وشعب يكتفي بشم ريحة المرق كل شهر.

ملف الإعاشة ليس قضية فساد عابرة. إنه طنجرة ضغط وطنية، لو فتحت، طار غطاؤها إلى سويسرا، وتركيا، والقاهرة، وشظايا منها إلى المجلس الرئاسي في معاشيق.

نحن في زمن أصبحت فيه الإعاشة دولة داخل الدولة، وجبهة في قلب كل مطبخ، و"قصع فول" توزع برعاية رسمية.


لذا نقول، عاشت الإعاشة، وسقط كل من عاش عليها، ومات من مات دونها وبسببها.


ولعنتي على الفساد والمفسدين