في زمنٍ يتسابق فيه الجميع نحو المواقف، يختار البعض الصمت كخيار استراتيجي. غير أن صمت الشيخ صالح بن فريد العولقي، الشخصية الوطنية البارزة، لم يعد مجرد غياب عن المشهد، بل أصبح سؤالاً مطروحًا على الساحة السياسية: أين الشيخ صالح بن فريد اليوم؟
كان الشيخ بن فريد حاضرًا في كل المراحل المفصلية التي مرت بها البلاد خلال العقدين الأخيرين. من أبرز القيادات الوطنية في مرحلة الحراك الشعبي والسياسي، إلى رمز من رموز المقاومة ضد جماعة الحوثي في عام 2015، ثم إلى شخصية مؤثرة داخل مؤسسات العمل السياسي الوطني، ظل صوته مسموعًا، ومواقفه ثابتة، ورؤيته محل تقدير من مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية.
في سنوات الحراك الشعبي، كان بن فريد من الأصوات الجريئة التي طالبت بالعدالة والمساواة ورفضت الإقصاء والتهميش. عُرف بخطابه المتزن وحرصه على أن تبقى القضايا الوطنية مشروعًا جامعًا يقوم على الشراكة لا على الانقسام. وعندما اجتاحت جماعة الحوثي المدن في عام 2015، لم يتردد الرجل في الانتقال من المنبر إلى الميدان، مشاركًا في دعم المقاومة الوطنية ماديًا ومعنويًا، وكان له دور مؤثر في تنظيم الصفوف وتوحيد الجهود لمواجهة التمدد العسكري.
وفي مراحل لاحقة، كان الشيخ صالح بن فريد من الشخصيات التي سعت إلى إصلاح الاختلالات السياسية والإدارية داخل مؤسسات الدولة، ودعا إلى مراجعة الأخطاء والعمل على بناء منظومة سياسية أكثر شمولًا وعدالة. لم يكن صوته نقديًا بمعناه السلبي، بل كان صوتًا إصلاحيًا ووطنيًا نابعًا من حرصه على وحدة الصف واستعادة الثقة بين القوى الوطنية.
لكن ما يثير التساؤل اليوم هو صمته الطويل عن المشهد العام. لا تصريحات، لا بيانات، ولا مواقف علنية منذ فترة ليست بالقصيرة. وفي ظل ما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة، يرى مراقبون أن المرحلة الحالية تستدعي حضور الرموز الوطنية ذات المصداقية والتاريخ المتزن، وأن غياب أصوات مثل الشيخ بن فريد يترك فراغًا حقيقيًا في الساحة العامة التي غلب عليها الصخب والانقسام.
العديد من المتابعين يرون أن صمته ربما يحمل رسالة بحد ذاته، فالرجل المعروف بالحكمة لم يكن يومًا من هواة الضجيج، وغالبًا ما كان يختار التوقيت المناسب للتحدث حين تشتد الأزمات. وهو ما يجعل البعض يعتقد أن صمته الآن قد يكون تمهيدًا لعودة مدروسة تحمل رؤية أكثر شمولًا للمشهد الوطني القائم، خاصة في ظل الحاجة إلى وجوه تمتلك رصيدًا من الاحترام والعقلانية.
لقد مثّل الشيخ صالح بن فريد طوال مسيرته نموذجًا للقيادة الوطنية المتزنة، التي تؤمن بأن السياسة ليست صراعًا على النفوذ بل وسيلة لخدمة الناس وتحقيق الاستقرار. وحتى في غيابه، لا يزال تأثيره حاضرًا في ذاكرة المجتمع، لما تحمله سيرته من مواقف ثابتة ومبادئ لا تتبدل مع تغيّر الظروف.
ومع تزايد حالة الارتباك في المشهد الوطني، يبدو أن عودة الشيخ صالح بن فريد إلى الواجهة باتت مطلبًا وطنيًا يتطلع إليه كثيرون ممن يدركون أن البلاد بحاجة إلى قيادات هادئة تجمع ولا تفرّق، وتقدّم الحكمة على المصلحة، والمبدأ على الحسابات السياسية. فالوطن في هذه المرحلة العصيبة لا يحتاج إلى المزيد من الصخب، بل إلى رجال خبروا الميدان والسياسة معًا، ويعرفون أن الكلمة أحيانًا أبلغ من السلاح.
غرفة التحليل السياسي / صحيفة عدن الغد