في زمن أصبح فيه البريد الإلكتروني أسرع من الضوء، لا تزال بعض المؤسسات الحكومية تُصرّ على التعامل بمنطق الحمام الزاجل، لكن دون حمام، ودون رسالة، ودون ضمير.
مواطن يمني مقيم في دولة الإمارات، يضطر لإصدار وكالة شرعية من سفارة بلاده في دبي، وهو إجراء روتيني يفترض أن يُستكمل بسلاسة، خصوصًا حين تكون السفارة، نظريًا، هي الواجهة الحضارية للدولة وممثلها أمام رعاياها.
السفارة قامت بما عليها، بحسب قولها، وأرسلت الوكالة الإلكترونية في اليوم نفسه إلى فرع وزارة الخارجية في العاصمة المؤقتة عدن. لكنها وقعت بين فكي كماشة الإهمال والتسيب. المواطن ظل يراجع الفرع أسبوعًا تلو الآخر، والشهر يُطوى خلف الشهر، دون جدوى.
الرد الرسمي لفرع الوزارة: "لم يصلنا شيء"
حسنًا، فلنفترض حسن النية، وهي عملة نادرة في هذه المؤسسات، وأن البريد الإلكتروني قد تاه في "السايبر سبايس"، فما العذر بعد أن وعد موظف السفارة بإعادة الإرسال "مرة ومرات"؟
أعاد الإيميل. قالها بوضوح. ومع ذلك، لا شيء يحدث، وكأن الوكالة قيدت ضد مجهول في سجلات بيروقراطية لا تعترف بالمواطن ولا بأبسط حقوقه.
السؤال الذي يُطرح بقوة:
ما ذنب هذا المواطن؟
هل عليه أن يتوسط لدى القائمين على "بريد جوجل" ليبحثوا عن نسخة الوكالة المفقودة؟
أم عليه أن يستعين بشركة أمنية دولية لتخترق بريد الوزارة في عدن، وتثبت وصول الرسالة؟
أم عليه أن يعود إلى وطنه ويعيش خمس سنوات في طابور ختم واحد؟
ما يحصل هو تجسيد حيّ للإهمال الإداري الممنهج، الذي لا يكلف الموظف فيه نفسه عناء فتح صندوق الوارد، أو حتى "فلترة" الرسائل الواردة.
فرع الوزارة الذي لا يعترف بوصول الإيميل، لا يعترف أساسًا بمسؤولياته، ولا بالمواطن الذي يقف حائرًا بين سفارة تنفي التقصير، ووزارة تنكر الاستلام.
وهنا لا بد من التذكير بأن الوكالات الشرعية ليست مجرد ورق قانوني، بل ترتبط غالبًا بحقوق عائلية، وقضايا مالية، أو معاملات لا تقبل التأجيل. وكل يوم تأخير، هو ظلم مضاف، وربما خسارة فادحة للمواطن.
نحن لا نتحدث عن خلل فني عابر، بل عن استهتار رسمي بمصائر الناس.
نتحدث عن موظفين يتعاملون مع مسؤولياتهم كمجرد واجبات وظيفية هامشية، لا تؤدي إلا إلى طوابير متعرجة من الألم.
فمن يحاسب هذا الفرع؟
ومن يتابع الرسائل التي تُرسل ولا تُستقبل؟
ومن ينصف هذا المواطن الذي استهلكت بيروقراطيتنا وقته، وجهده، وكرامته؟
ختامًا.. إذا كانت مؤسسة سيادية كوزارة الخارجية لا تستطيع استلام إيميل رسمي من سفارة تابعة لها، فكيف لها أن تدير مصالح بلد بأكمله؟
بل، كيف لها أن تقنع المواطن بأنها موجودة أصلاً؟