في بلدٍ أنهكته الحرب وتراكمت فوق صدره الأزمات، تظهر وسط الركام وجوهٌ تصنع الفرق، وأصوات تبحث عن أملٍ جديد لليمنيين. من بين هذه الوجوه تبرز الشابة لجين الوزير، ابنة صنعاء، التي تحوّلت خلال فترة وجيزة إلى واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في نشر ثقافة الاهتمام بالثروة الحيوانية والزراعة في اليمن.
لجين، بطاقتها البسيطة وملامحها الهادئة، لم تختر منصة للجدل ولا طريقًا للثرثرة كما يفعل كثيرون. اختارت طريقًا أصعب، طريقًا يحتاج إلى شغف وإيمان حقيقي بأن اليمن قادر على النهوض من بين الدمار إذا عاد الناس إلى الأرض، إلى الزراعة، وإلى تربية المواشي. فبدأت بتوثيق يومياتها في الحقول، زياراتها للمزارع، تجاربها مع الحيوانات، ومعرفتها المتراكمة حول طرق الرعاية، التغذية، والإنتاج الحيواني.
كانت تفعل ذلك بلهجة بسيطة، وبفيديوهات قصيرة، لكنها كانت كفيلة بإحياء فضول آلاف اليمنيين. فجأة، صار الحديث عن “البقر والماعز والدواجن والسلالات والري والتسميد” أمرًا مألوفًا وجذابًا بين جمهورٍ كان غارقًا في السياسة والسخط والوجع.
لجين لم تكن مجرد شابة تصوّر مشاهد من مزرعة؛ كانت تعيد للناس فكرة أن الزراعة ليست مهنة الفقراء، بل مصدر قوةٍ واقتصادٍ واستقرار. كانت تقول لهم إن في الطين حياة، وإن خصوبة الأرض يمكن أن تكون الرد الطبيعي على بشاعة الحرب. إن تربية المواشي ليست “مهنة هامشية”، بل ثروة وطنية هائلة أهملها اليمن لعقود.
طريقة حديثها، وضحكتها، وقبعتها القشية التي ظهرت بها في بعض المقاطع، جعلتها صورة يمنية مختلفة، صورة تحمل معنى أن المرأة تستطيع أن تكون في كل مكان: في الحقل، في المختبر، في المزرعة، وفي مقدمة العمل التنموي.
إن ما تقوم به لجين الوزير اليوم ليس مجرد توثيق هواية.. إنه مشروع وطني متكامل لإحياء ثقافة الإنتاج. مشروع يعيد تعريف دور الشباب، ودور المرأة، ويذكّر الناس أن بناء اليمن يبدأ من الأرض، من القمح والفاصوليا والمواشي والألبان، وليس فقط من قاعات الفنادق والبيانات السياسية.
في زمنٍ طغى فيه اليأس، جاءت لجين لتقول لليمنيين:
“الأرض لا تخون، والزراعة لا تسقط… فقط امنحوها اهتمامًا.”
هذه المرأة لا تستحق الإشادة فقط، بل تستحق أن تُقدَّم كنموذج يُحتذى به، وشخصية تُسلَّط عليها الأضواء. فبينما يغرق كثيرون في تفاصيل الحرب، اختارت هي أن تزرع أملاً جديدًا… وهذا أعظم أنواع المقاومة.