آخر تحديث :الخميس-23 أكتوبر 2025-09:53م
أخبار المحافظات

صخور العزلة.. ورسالة الأمل: ملحمة الأزارق التي شقّت المستحيل

الخميس - 23 أكتوبر 2025 - 06:13 م بتوقيت عدن
صخور العزلة.. ورسالة الأمل: ملحمة الأزارق التي شقّت المستحيل
الازارق((عدن الغد))فؤاد المقرعي

​من رحم الجغرافيا القاسية، حيث تتعانق القمم الشامخة مع سكون عقود من الحرمان المزمن، انبلج فجر إنجاز لا يشبه سواه في منطقة الحقل بمديرية الأزارق. ليست هذه قصة طريق تُشق، بل هي ملحمة إرادة مجتمعية خارقة، سَطّرتها سواعد رجال لم ينتظروا إذنًا رسميًا أو ميزانية حكومية، بل استنفروا نخوتهم ليسحبوا شريان حياة من صمت الصخر، مُعيدين رسم خريطة الأمل بعرق الجباه.


​تجسدت الإرادة الخالصة لأبناء الحقل وجبل بن عواس في قصة تليق بصفحات المجد، إذ قرروا تحويل العزلة القاسية التي ضربت أطنابها حول قراهم إلى وصل مستدام. لقد نهض هؤلاء الرجال، وكأنهم يخطون قصيدة وطنية، لإنجاز مشروع شق طريق حيوي، بدأ من عباب مروراً بـ مكلس وعمقة في الحقل، وصولاً إلى جبل بن عواس، ثم الشروع في التحدي الأكبر: شق نقيل مسواد الوعر، إلى منطقة تورصة ذلك الموضع الذي كان يُظن أنه عصي على كل حركة.

​هذا الطريق، الذي اختصر العناء الذي كان يلتهم المسافة بين هذه القرى وفراثة في غيل تورصة، ليس مجرد مسار جغرافي، بل هو شريان يربط الحاضر بالمستقبل، ويُضيء دروب الحياة على أهالي المنطقة. لقد تحول ما كان بالأمس مستحيلاً إلى واقع ملموس، حتى باتت السيارات تصل إلى مواضع كان يُظن أنها حِكر على الأقدام المتعبة



​"خيمة مكلس".. منارة الإرادة الصلبة


​على قارعة هذا الإنجاز التاريخي، وفي بقعة بعيدة عن ضوضاء القرى، تنتصب "خيمة مكلس". هذه الخيمة ليست مجرد مأوى عابر، بل هي غرفة عمليات مفتوحة، ورمز صلب لعزيمة الرجال ومنارة للإرادة المجتمعية التي تأبى الانكسار. هي بمثابة قلعة صمود، يبيت فيها ويتناوب عليها نخبة مجتمعية نادرة: مشائخ، وجهاء، شباب، وقيادات ميدانية.

​هؤلاء الرجال، الذين يديرون شؤون الطريق وكأنهم في خندق معركة مصيرية، لا يلهيهم حديث إلا عن الحجارة التي يجب أن تزاح، والمنعطفات التي يجب أن تُفتح، والقرى التي يجب أن تُربط. وفي مشهد يبعث على الفخر، يُحمل إليهم الطعام والشراب على الأكتاف، وقلوبهم معلقة بإنجاز يليق بتاريخهم. هناك، في "خيمة مكلس"، تشعر أن روح الوطن لا تزال حية، وأن قوة الفريق المجتمعي لا تزال قادرة على تحريك الجبال وتغيير الواقع

.


​نداء إلى الرعاية الرسمية: كنز وطني لا يقدر بثمن



​إن هذا الإنجاز الخارق، الذي أعاد تعريف معنى القيادة القائمة على خدمة الأرض والإنسان، يجب ألا يُترك لجهود الأهالي وحدهم. إن هذه الطريق لا تمر فقط على تضاريس جغرافية، بل تمر على أحلام وتطلعات، وتجمع نسيجًا مجتمعيًا فُتتته العزلة القاسية، ليعيد وصل ما انقطع. إنها شريان جديد يضخ الحياة في جسد الأزارق الذي طالما أنهكته التحديات.

​لذا، يقع على عاتق القيادة والسلطة المحلية والمجلس مسؤولية وطنية وأخلاقية لا تقبل التأجيل. يجب أن تُحاط هذه المبادرة العظيمة بعين رسمية ترى فيها كنزاً وطنياً لا يقدر بثمن. لقد أنهت المبادرة المجتمعية البداية الصعبة، واليوم، يجب الدفع بعجلة المشروع من خلال التعاون الجاد للرفع إلى الجهات المختصة والمنظمات المانحة لتأمين التعبيد والسفلتة اللازمة.

​فـ الأزارق، التي كانت دوماً ذخراً للقيادة وعزاً للوطن، تستحق أن تُكافأ لا بالكلام، بل بالفعل. تستحق أن يُحفظ إنجاز أبنائها النبلاء، وأن يُعبد طريقهم الذي سطروا به قصة كفاح وكبرياء، ليصبح تاجاً على رؤوس رجال جعلوا من الصخر حليفاً ومن الحلم حقيقة