آخر تحديث :الإثنين-17 نوفمبر 2025-04:42م

الحياء والدافع الأخلاقي في اليمن: *قراءة في أزمة المجلس الرئاسي

الأربعاء - 12 نوفمبر 2025 - الساعة 07:03 ص
منصور بلعيدي

بقلم: منصور بلعيدي
- ارشيف الكاتب


يستند الحديث الشريف إلى أن فقدان الحياء يخرج الإنسان من انسانيته ويجعل السلوك أقرب إلى الحيوان تماماً. فالحياء ليس مجرد قيمة فردية بل خط دفاع أول عن كرامة الإنسان، وهو ما أكد عليه العلماء أن الإنسان مهما بلغ من العلم أو ارتقى في المناصب فبدون حياء لا يغيّر في الحال شيئاً.

ونحن هنا في اليمن أمام اختبار جماعي لمدى تمسّك المجتمع بناموس الحياء كقيمة وطنية يتقاطع فيها الإنسان بالإنسان ونشدد على أنها الحصن الأخير أمام انهيار الأخلاق والعدالة.


المشكلة ليست في فقدان الحياء لدى الإنسان العادي فقط، فضرره محدود نسبياً، بل القضية حين تفقده النخبة الحاكمة، فهنا يدق ناقوس الخطر على مستوى الوطن كله.

حين تسقط قيم الحياء من أعلى هرم السلطة، تكون الدنيا أقرب إلى الانهيار. وهذا هو موضع حديثنا اليوم، لأن ما يجري في اليمن لا يخص جهة بعينها بل يطال كل مكونات الدولة ويهدد حاضرها ومستقبلها.


أعضاء المجلس الرئاسي اليمني فاقدو الحياء تماماً، ولا يجوز لأحد أن يقول إنهم يتحركون بناء على توجيهات الرئيس وهو من يتحمل مسؤولية ما يحدث في البلد ، هذا عذر أقبح من ذنب: فنحن نعلم أن كل عضو يمثل دولة حالياً من خلال ثمانية أعضاء وإزاءها ثمانية جيوش لكل واحد جيشه الخاص . أليس هذا يعني وجود ثمان دول داخل دولة واحدة؟ السؤال هنا ليس عن شكل السلطة، بل عن مدى التزامها بمبادئ الشفافية ومحاربة الفساد وتقويم المسار العام.


أما رئيسهم رشاد، كما يتواتر الاتهام، فغارق في الفساد حتى الأذنين. لكن الأهم من ذلك هو السؤال: إذا بقي لدى الأعضاء بقية من حياء، فأين دورهم في مواجهة الفساد والإفساد؟

لا شيء .

يدل ذلك على وجود توافق حقيقي بين هؤلاء على ممارسة الفساد، بل ما يظهر حتى الآن هو تواطؤ وتغاضٍ يفضي إلى استمرار الفوضى.


حينما يتولى أمر الناس مهازيل الرجال، تضيع البلاد وتُهدر المقدرات ويظلم الشعب. وهذا ما نراه واقعاً في اليمن تحت مظلة المجلس الرئاسي غير الشرعي، حيث تتراكم الأزمات وتتصاعد التحديات من دون أن تمسّ قيادة الفساد جذور الأزمة. الكهرباء منقطعة، الرواتب موقوفة، الأمن غائب، وتراجع الخدمات الأساسية يضرب بنفوس الناس ويصيبهم بالإحباط واليأس.


الأمور لاتقف عند ذلك الحد. انتشار المخدرات بكل أنواعها لتفسد الشباب وتفشي البلطجة والنهب والسلب ليس وليد عصابة فحسب، بل تكوين النظام نفسه عبر قياداتٍ عسكرية وسياسية، وبمباركة المجلس الرئاسي الذي يستثمر الفوضى ويدمر الوطن ويرهق كاهل المواطنين.

إنه يقود البلاد إلى أزمة خانقة تحتاج إلى حلول حقيقية لا إلى إدارة فاشلة تقودها مصالح ضيقة وتغاضٍ عن وجع الشعب.


هؤلاء المسؤولون لا يبدون أي حياء، وعلى الشعب اليمني أن يتحمل مسؤوليته ويقود مساراً ضرورياً نحو التغيير.

ثمة خيار سياسي واجتماعي متاح، لا يتعارض مع قيم الأمة ولا يحرف المسار عن استعادة كرامة الوطن: إنه استعادة الحياء والقيم الأخلاقية كمرجعية لحل الأزمة، وبناء جبهة وطنية واسعة تعمل على محاربة الفساد وتوفير الخدمات الأساسية وتحقيق عدالة قادرة على حماية المجتمع من الانزلاق نحو مزيد من الفوضى.


ويبدو أن القوة الحقيقية ليست في تكديس الجيوش أو تشكيل الحكومات من خلال شبكات المصالح، بل في قدرة الشعب على استعادة حيائه وتمدينه بالقيم الصحيحة التي تميز الإنسان عن الكائنات. النضال من أجل حرية وكرامة اليمن أغلى وأثمن من الموت جوعاً وظلماً واستبداداً. على الشعب أن يواجه الفساد بسلامة قلوبه وعزيمة إرادته، وأن يختار طريق الحرية والعدالة بعيداً عن العنف والتشرذم، فالمستقبل ليس لقاعدة القوة وحدها بل لمن يحافظون على الكرامة الإنسانية أولاً وأخيراً.