تعيش مدينة تعز واحدة من أخطر مراحلها الأمنية، حيث تتوالى الجرائم والانتهاكات في ظل صمت مريب وتقاعس واضح من السلطة المحلية والأجهزة الأمنية. دماء تسفك وأرواح تُزهق، فيما يظل القتلة والبلطجية أحرارًا يسرحون ويمرحون دون رادع أو محاسبة، ما يثير غضب الشارع ويضع الدولة أمام اختبار حقيقي لهيبتها وقدرتها على حماية مواطنيها.
جرائم عديدة ارتكبت مؤخرًا، والجناة معروفون لدى الجميع، لكن ملفاتهم ما زالت حبيسة الأدراج. من يجيب أبناء تعز على سؤالهم: أين قاتل حسين فؤاد الشرعبي؟ وأين قاتل مرسل؟ وأين بقية المجرمين الذين ما زالوا طلقاء؟ تطورت الجرائم مؤخرًا إلى الاعتداء على طبيبة بارزة، حيث أُطلق عليها النار مباشرة اخترقت سيارتها، بالتزامن مع هجوم على منازل نشطاء تضامنوا معها. جرأة كهذه لم تكن لتحدث لولا غياب الدولة وتراخي مؤسساتها.
قدمت تعز آلاف الشهداء والجرحى في معركتها ضد مليشيا الحوثي، وما يزال المئات من رجالها مرابطين في المتارس دفاعًا عن المدينة. ومع ذلك، شوه بعض الخارجين عن القانون صورة المقاومة، وجعلوا من تضحياتها غطاءً للبلطجة والاعتداءات وابتزاز المواطنين. أي منطق يمنحهم حصانة لمجرد أنهم حملوا السلاح ذات يوم؟
الأخطر أن هذه الاعتداءات لم تعد تقتصر على القتل والنهب، بل تجاوزت إلى استهداف الأصوات الحرة والناشطين الذين يطالبون بالعدالة ويكشفون الفساد. الاعتداء على منازلهم وترويع أسرهم واختطافهم رسالة واضحة بأن لا أحد في مأمن إذا تجرأ على قول الحقيقة.
وتشير شكاوى متكررة إلى تورط بعض منتسبي اللواء 170 في هذه التجاوزات، ما يشكل إساءة مباشرة لتضحيات تعز، وإهانة لدماء الشهداء، وتشويهًا لسمعة المؤسسة العسكرية. فبقعة سوداء واحدة كفيلة بإفساد صورة ثوب أبيض ناصع. استمرار هذه التصرفات يضر بالقيادات العسكرية الشريفة، لكنه في الوقت نفسه يضعها أمام مسؤولية أكبر في ضبط المجرمين، خصوصًا إذا كانوا محسوبين على الجيش الوطني.
إلى قيادة محور تعز والقيادات المحلية: جهودكم وتضحياتكم محل تقدير، لكن ذلك لا يعفيكم من واجب فرض النظام ومحاسبة المعتدين، وإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة والقوات المسلحة. المطلوب اليوم قرارات حاسمة وإجراءات جادة توقف نزيف الدم وتعيد للناس ثقتهم بالدولة.
ويبقى السؤال الذي يطرحه أبناء تعز بمرارة: ما الفرق بين مناطق سيطرة الحوثي ومناطق الشرعية إذا كان القاتل هنا يفلت من العقاب، والصوت الحر يُقمع، والمنازل تُقتحم، والأمن غائب؟ السكوت عن هذه الجرائم لم يعد مجرد تقصير، بل أصبح تواطؤًا يهدد حاضر المدينة ومستقبلها. أملنا أن تصل هذه الرسالة بوضوح إلى قيادة تعز، وأن تتحرك قبل أن يفقد الناس ما تبقى لهم من أمل وثقة بالدولة.