في مشهد لا يمكن وصفه إلا بالخيانة الكاملة لدماء الشهداء وكرامة اليمنيين، أُفرج عن المدعو محمد الزايدي في محافظة المهرة، بعد أسابيع قليلة فقط من القبض عليه، رغم تورطه المباشر في جريمة بشعة راح ضحيتها العميد عبدالله زايد وأفراد من القوات الحكومية، في واحدة من أبشع صور الغدر والانحطاط الأمني الذي تعانيه البلاد. هذه الحادثة لم تكن مجرد هفوة إجرائية أو زلة قضائية، بل كانت قراراً سياسياً صريحاً بالإذلال والانبطاح. هذا الإفراج لا يعبّر عن قانون، ولا ينتمي لأي سلطة قضائية محترمة، بل هو صفقة عار، خضعت فيها الدولة لضغوط قبلية ومليشياوية، وسلمت رقبتها لمافيا النفوذ والعمالة. الإفراج عن الزايدي كشف الحقيقة التي لطالما حاولت السلطة الشرعية إنكارها أن محافظة المهرة باتت ساحة مفتوحة لسيطرة المليشيات الحوثية وأذرعها، وعلى رأسها المدعو علي الحريزي، والمحافظ محمد علي ياسر، الذي لم يُخفِ انحيازه المفضوح طوال السنوات الماضية. لم تعد المهرة خاضعة للجمهورية، بل أصبحت تحت سطوة مليشيا ناعمة تحكمها بالترهيب والصفقات المشبوهة، وكل ذلك يتم بصمت مخزٍ من الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي. تبرير الإفراج عن الزايدي بأنه جاء بعد “أخذ ضمانات” من أسرته كابنه وابن أخيه، هو ليس فقط استخفافاً بالعقول، بل إهانة فجّة لمفهوم الدولة والقانون. ما حدث هو مشهد هزلي يُعيدنا إلى عصور الثأر القبلي، لا دولة مؤسسات. المادة (3) من قانون الإجراءات الجزائية تنص بوضوح على أن المسؤولية الجزائية “شخصية”، ولا يُعاقب أحد بجُرم غيره، فكيف تُعتمد ضمانات عائلية في قضية دم ؟! وفقًا للمادة (163) من قانون الإجراءات الجزائية، لا يجوز الإفراج المؤقت عن المتهمين في جرائم القتل العمد. ولا يُفرج عن متهم يُحتمل فراره أو تأثيره على سير التحقيق.
أين قرار النيابة ؟ أين مبررات الإفراج ؟ من وقّع ؟ أين توقيع القاضي ؟ وهل باتت صفقات “الضمان القبلي” بديلة لقرارات القضاء ؟ بأي بند قانوني يُفرج عن متهم بالقتل العمد وتُمنح له تذكرة سفر للخارج ؟ المادة 163 من قانون الإجراءات الجزائية صريحة: لا إفراج مؤقت في جرائم القتل العمد. فلماذا تصرون على اغتصاب القانون وبيع الوطن بقلم وكلمة وهمية ؟ هذه الحادثة منحت الحوثيين نصرًا سياسيًا وأخلاقيًا دون إطلاق رصاصة واحدة. الزايدي، أحد وجوههم القبلية، خرج مرفوع الرأس، بينما دفنتم كرامة الدولة والقانون تحت أقدام المليشيا. من بارك القبض عليه من وزارة الداخلية، كيف يبرر اليوم الإفراج عنه ؟ أليست هذه إهانة لأجهزتكم الأمنية ؟! تم القبض على الزايدي تحت مباركة وزارة الداخلية، واليوم يُفرج عنه دون حتى أن تُستكمل التحقيقات. فأي دولة هذه التي تُطارد القتلة ثم تُفرج عنهم إذا صاح شيخ أو أمر حليف ؟ بينما يخرج القاتل بضمانة “ابن أخيه”، يقبع آلاف من أبناء تهامة وصنعاء وذمار وإب وعدن وكافة مناطق اليمن خلف القضبان لسنوات دون محاكمات، بلا تهم واضحة، ودون أي تضامن حكومي. هذه ليست دولة، بل نظام محسوبيات قبلي فج، لا مكان فيه للعدالة ولا للعدالة الاجتماعية. الرسالة التي وجهتموها لكل ضابط وجندي وأمني هي لا تقاتلوا، لا تطاردوا القتلة، فأنتم مجرد أدوات في مسرحية هزلية تنتهي دائمًا بخيانة من أعلى الهرم. دماء العميد وأفراده، التي سالت دفاعاً عن الجمهورية، بيعت في سوق النفاق السياسي بثمن بخس. إن كانت قوانين الجمهورية لا تُطبّق إلا على الضعفاء، فأضيفوا مادة جديدة في الدستور فأقترح على مجلس القيادة الرئاسي ومجلس القضاء في عدن أن يضيفوا قانونًا جديدًا اسمه “قانون الزايدي والحوثيين”، ينص على عدم جواز اعتقال أي قيادي حوثي في مناطق الشرعية، حتى لا تكرروا هذه المسرحية الفاضحة. هكذا على الأقل تكونون صادقين مع أنفسكم ومع الشعب. لماذا تم القبض عليه أصلاً ؟ إن كنتم تخضعون للضغوط الخارجية والداخلية، فلا تُهينوا الناس بادعاء تطبيق القانون. الإفراج عن الزايدي ليس مجرد حادثة عابرة، بل وصمة عار ستبقى في جبين الجمهورية إلى أن تُقتص الدماء، ويُعاد الاعتبار للدولة والقانون. لن ينسى اليمنيون هذه الخيانة، ولن يصفحوا عن من خان دم الشهداء، وساوم عليه في ليالٍ قاتمة خلف الكواليس. أما الزايدي، فقد خرج.. لكن الوطن كلّه صار أسيرًا.