في ظل التعقيدات التي يشهدها المشهد اليمني، يبرز تساؤل جوهري يثير القلق: هل يُعقل أن تعمل خلايا لصالح مليشيات الحوثي داخل مناطق الشرعية؟ سؤال يفرض نفسه على واقع شديد الحساسية، خاصة أن هذه المناطق – رغم ما تعانيه – ما زالت توفر للمواطنين أوضاعًا أفضل بكثير من تلك الخاضعة لسيطرة المليشيات التي تحكم بالقمع، وتفرض الجبايات، وتصادر الحريات. ففي مناطق الشرعية لا تُفجَّر المساجد، ولا تُستهدف منازل المدنيين، ولا يُمارَس القتل على الهوية، بل يجد المواطنون هامشًا من الحرية لا وجود له في مناطق سيطرة الحوثيين.
ورغم الانقسامات داخل مكونات الشرعية، فإنها تظل المظلة الجامعة للقوى الوطنية، فخلافاتها داخلية وسياسية بطبيعتها، أما خلافها مع الحوثيين فهو خلاف عقائدي وجودي لا يقبل التهاون. وهذا ما يجعل وحدة الصف واجبًا وطنيًا لا يحتمل التأجيل. تدرك المليشيات الحوثية ذلك تمام الإدراك، لذا تعمل على إذكاء الخلافات الداخلية، وإدارة حملات إعلامية عبر صفحات وهمية تُنسب زورًا إلى شخصيات ومكونات منضوية تحت مظلة الشرعية، بهدف بث الشائعات وإضعاف التماسك الوطني.
هذه الممارسات، إلى جانب توقف جبهات القتال وتدهور الوضع الاقتصادي، ساعدت الحوثيين على إطالة أمد بقائهم، إلا أن قدرتهم على الصمود لن تدوم أمام يقظة وطنية تعيد ترتيب الصفوف وتدفع جميع الأطراف إلى تقديم التنازلات لمصلحة الهدف الجامع، وهو استعادة الدولة وإنهاء مشروع المليشيات.
لقد صادرت هذه الجماعة مقدرات اليمن، وأغرقت اقتصاده في أزمات خانقة، وسعت إلى تربية جيل مؤدلج بالفكر الطائفي، ما يجعل المواجهة معها معركة وعي قبل أن تكون معركة سلاح. وإذا لم تستوعب القوى الوطنية خطورة هذه المرحلة، وتستعيد زمام المبادرة لتحرير صنعاء وسائر المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن مستقبل اليمن سيظل رهينة مشروع لا يمت بصلة لأرض الإيمان والحكمة.