آخر تحديث :الأربعاء-18 يونيو 2025-10:28م

إيران: نمرٌ من ورق

الثلاثاء - 17 يونيو 2025 - الساعة 02:14 م
عبدالجبار سلمان

بقلم: عبدالجبار سلمان
- ارشيف الكاتب


في عالم العلاقات الدولية، قد تفرض بعض الدول نفوذها بالقوة، وبعضها الآخر بالمال، وبعضها بالثقافة والاقتصاد. أما إيران، فهي استثناء شاذ، دولة بلا مشروع حضاري، بلا عمق إنساني، بلا منجز، بلا قضية حقيقية. إنها نظام طائفي مغلق، يسكنه هوس الهيمنة، ويتغذى من نفايات التاريخ، ويتسلح بخرافات دينية قُدّمت على أنها “رسالة إلهية” للعالمين، بينما هي في حقيقتها مشروع إجرامي ملوّث بدماء الأبرياء من العرب والمسلمين. إيران ليست دولة طبيعية، إنها كيان مسكون بنزعة عدوانية، يرى في استقرار الدول العربية تهديدًا لوجوده، وفي ضعفها فرصة للتمدد الطائفي. ما تسعى إليه طهران ليس الحضور السياسي ولا الشراكة الإقليمية، بل انهيار كامل للدول العربية وتحويلها إلى ولايات هامشية تابعة للولي الفقيه، تحت عباءة المذهب. لم يشهد التاريخ المعاصر دولة تمارس الإرهاب كأداة رسمية في سياستها الخارجية مثلما تفعل إيران. منذ اللحظة الأولى لانتصار “ثورة الخميني”، تحولت إيران إلى دولة ميليشياوية تصدّر الموت والفوضى، وتعتبر كل أرض سنّية مشروع “فتح” جديد يجب أن يخضع لـ”التشييع القسري”. ما تفعله في اليمن ولبنان وسوريا والعراق ليس نفوذًا، بل غزوًا بكل ما تعنيه الكلمة. من اليمن إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا، لا تجد إلا آثار بصمات خامنئي وقيادات الحرس الثوري. الحوثي ليس ظاهرة يمنية، ولا حزب الله ظاهرة لبنانية، ولا الحشد الشعبي إرادة عراقية. كل هذه المليشيات مسوخ مشوهة صنعتها إيران، تنطق بفارسيتها، وترفع شعاراتها، وتنفذ أجندتها. لا تبحث فيهم عن وطن، ولا عن شرف، ولا عن استقلال. هؤلاء خناجر مغروسة في ظهر الأمة. تُسلّح إيران الحوثيين بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، وتوجههم لضرب المدن السعودية، وقصف المنشآت الحيوية، وتهديد طرق التجارة العالمية. تُنفق المليارات على الحشد الشعبي في العراق ليكون دولة داخل دولة، يدين بالولاء لخامنئي لا لبغداد. تُرسل مستشاريها وضباطها إلى سوريا لدعم نظام الأسد في إبادة شعبه. تُبقي لبنان مختطفًا عبر ميليشيا حزب الله، الدولة التي لم تعد تملك قرار الحرب أو السلم، بل تحوّلت إلى رهينة بيد “سيد الضاحية”. في اليمن، لا يمكن الحديث عن حرب أهلية. ما يحدث هو عدوان خارجي بواجهة محلية. الحوثي ليس تنظيمًا يمنيًا مستقلًا، بل مجرد نسخة كربونية من الحرس الثوري الإيراني في الشعار، في العقيدة، في الخطاب، في التبعية المطلقة. كل صاروخ حوثي يُطلق نحو المملكة، يخرج من مخازن طهران. وكل عملية إرهابية تُنفّذ في الحديدة أو مأرب أو تعز، يسبقها توجيه استخباراتي من قم أو صعدة. بعد مايقارب من عشرة أعوام من الحرب التي أطلقها الحوثيون بإيعاز من إيران خلّفت أكثر من نصف مليون شهيد وجريح، وملايين المهجرين، والمعتقلين، واقتصاداً مدمراً، ومجتمعاً مقسّماً. هذه ليست “ثورة” كما يسميها دعاة إيران، بل عدوان طائفي إيراني يتخفّى بعباءة يمنية. أما في الداخل الإيراني، فالوضع لا يقل كارثية. النظام يترنّح. الشعب الإيراني فقد ثقته بالحكم الديني، وتعددت الانتفاضات. كل موجة احتجاج تُقمع بالرصاص، وكل مظاهرة تُقابل بالدم. ومع ذلك، تتكرر الاحتجاجات كأن الشعب يقول: “هذا النظام لا يمثلنا”. الاغتيالات الأخيرة التي طالت قيادات استخباراتية وعسكرية كبرى داخل إيران، أبرزها اغتيال رئيس جهاز الاستخبارات ونائبه، تؤكد أن الدولة أصبحت مُخترقة من أعلى رأسها حتى أسفل قدميها. تنفيذ عمليات نوعية داخل طهران، واختراق المنشآت النووية، والعبث بملفات علماء الذرة، لم يعد مستغربًا. خامنئي ليس بمأمن، بل فقط مؤجل التنفيذ. وما يحدث اليوم في إيران نفسها ليس إلا بداية النهاية. الداخل الإيراني يتصدع، القبضة الحديدية تتآكل، والشعب يئن تحت القهر والطغيان. الاغتيالات التي تطال قيادات الحرس الثوري، وعلى رأسهم رؤوس الاستخبارات، تدل على أن الاختراق بلغ مرحلة لم يعد فيها رأس النظام بعيداً عن مرمى النيران. ليس خامنئي بمنأى عن المصير، بل القرار فقط لم يُتخذ بعد. النظام الإيراني هش، خاوٍ من الداخل، لا يملكه سوى البطش والإرهاب، ويُدرك أن ساعة الحساب تقترب. الواقع أن إسرائيل قتلت علماء الذرة الإيرانيين في قلب طهران، ودمرت منشآت نووية تحت الأرض، وحددت مواقع قادة الحرس الثوري بدقة فائقة. ثم يخرج علينا البعض ليقول إن إسرائيل لا تستطيع الوصول إلى الحوثي في صنعاء ؟ أو إلى قيادات حزب الله في ضاحية بيروت ؟! كفى استخفافاً بالعقول. كلهم في قبضة أجهزة الاستخبارات، لكنهم يُستخدمون كورقة ضغط في صفقات قذرة وفي نفس الوقت لإبتزاز دول المنطقة. إن انهيار أدوات إيران في المنطقة أصبح مسألة وقت. دقة العمليات الإسرائيلية في استهداف قيادات حزب الله، والقادة الإيرانيين، تعني شيئًا واحدًا: أن الحوثي والميليشيات الأخرى مكشوفون بالكامل، ويُبقَون أحياء فقط كورقة تفاوضية بيد القوى الدولية. يحاول البعض تسويق إيران كضحية للغرب، لكن الحقيقة أن إيران كانت دائمًا الجلاد، وليست الضحية. لن يجد النظام الإيراني تعاطفًا بين الشعوب العربية والإسلامية، فهو قاتل الأطفال، وهادم البيوت، وناهب الثروات. ما فعلته إيران في عقدين من الزمن فاق ما فعلته إسرائيل في سبعين عاماً. قتلت إيران أكثر من 2 مليون مسلم في العراق وسوريا واليمن ولبنان وحدها خلال عقدين، بينما بلغ عدد ضحايا إسرائيل من الفلسطينيين حوالي 150 ألفًا منذ 1948. والمقارنة ليست تبرئة لأي مجرم، بل إدانة للنظامين معًا. كلاهما لا يعرف إلا القتل. لكن إيران تفعلها بعمامة إسلامية، وتطلب منك أن تصدق أنها من “أهل البيت”. النظام الإيراني لم يكن يومًا نصيرًا للقضية الفلسطينية، بل كان ولا يزال حليفًا غير معلن للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. من دعم الاحتلال الأمريكي للعراق ؟ من سهّل تصفية علماء العراق ؟ من دعم ميليشيات شيعية انقلبت على الدولة ؟ من قاتل إلى جانب نظام الأسد البائد وقتل السوريين بالبراميل ؟ من دعم ميليشيا الحوثي "الإمامين الجدد" على الإنقلاب على مؤسسات الدولة وزرع الطائفية والطبقية والفتنة بين أبناء الشعب الواحد ؟ كل هذا فعلته إيران. رغم الدمار، لم ينكسر اليمن. الشعب اليمني لا يزال يقاوم، يرفض الكهنوت، يتمسّك بجمهوريته، ويؤمن بحلمه الكبير في بناء دولة حرة مدنية. وإن سقطت أدوات إيران الواحدة تلو الأخرى، فإن الفجر قريب. أما إيران، فهي نمر من ورق. ضجيجها أكبر من حجمها. وإذا ما اجتمعت إرادة العرب، ورفعت عنهم القيود الغربية، ستنكشف طهران كما انكشفت في شوارع طهران نفسها، وسيهوي نظامها الطائفي إلى حيث يجب: مزابل التاريخ. لقد حان الوقت أن يُعامل النظام الإيراني بما يستحق: كعصابة إرهابية عابرة للحدود، لا بد من محاصرتها، وتجفيف مصادرها، وضرب أدواتها أينما وُجدت. لا مهادنة مع سرطان، ولا تعايش مع أفعى. الحياد الآن خيانة. والصمت جريمة. إيران ليست دولة ! إنها سمٌّ يسري في الجسد المسلم، ويجب اقتلاعه. الآن، لا غداً. إيران ليست نمرًا، ولا حتى قطة برية. إنها نمر من ورق، يخيف الضعفاء فقط، أما حين تنهض الأمة، فلن تكون طهران سوى صفحة من الماضي القذر الذي سيُطوى إلى غير رجعة.