آخر تحديث :السبت-10 مايو 2025-09:05ص

السحر والشعوذة في مجتمعاتنا.. جريمة تُرتكب في الظل باسم الدين

السبت - 26 أبريل 2025 - الساعة 04:28 م
شهاب سنان

بقلم: شهاب سنان
- ارشيف الكاتب


بينما تنشغل المجتمعات العربية بقضايا التنمية والتطور، ما تزال ظاهرة السحر والشعوذة تضرب بجذورها في عمق الواقع، مخلّفة وراءها ضحايا لا يُحصَون، وآلامًا لا تُداوى. هذه الظاهرة لم تعد مجرد خرافة هامشية كما يتوهم البعض، بل تحولت إلى أداة إجرامية تستخدم لتصفية الحسابات، والسيطرة على الآخرين، وتدمير حياتهم بطرق خفية وقذرة.


ففي كثير من البيئات، أصبحت أعمال السحر وسيلة للانتقام والطمع والغيرة. كم من زوجة استغلت السحر لإبقاء زوجها أسيرًا لها ومنع زواجه بأخرى؟ وكم من فتاة أو شاب انتهت حياتهم المهنية أو العاطفية بسبب طلاسم خفية وجهل متعمد؟ وكم من أسرة ساهم بعض أفرادها في دفع الآخرين إلى مستنقع هذه الأعمال الدنيئة لتحقيق مصالح شخصية أو تصفية خلافات قديمة؟


ما يزيد الأمر خطورة هو أن كثيرًا من هؤلاء المشعوذين يتخفون تحت غطاء الدين، فيدّعون ممارسة الرقية الشرعية، ويستغلون ضعف الناس وحاجتهم للعلاج. يتقاضون الأموال، ويمارسون الابتزاز، بل ويتدخلون في حياة المرضى الخاصة بذرائع دينية زائفة، بينما هم في الحقيقة يؤذونهم نفسيًا وجسديًا. وقد انتشرت مراكز وهمية تدعي علاج السحر والعين والحسد، لكنها تفتقر إلى الرقابة الشرعية أو الطبية، وتمارس أعمال الشعوذة المقنعة، ما يؤدي إلى تفاقم معاناة الضحايا، بل وأحيانًا إلى وفاتهم.


المأساة لا تقف هنا. فالضحية غالبًا ما يُتهم بالجنون، أو يتعرض لحملة تشويه ممنهجة بهدف إخفاء الجريمة وإسكات صوته. يُترك يعاني في صمت، معزولًا عن المجتمع، بينما يواصل المجرمون نشاطهم تحت حماية الجهل والصمت المجتمعي.


في مواجهة هذا الواقع المؤلم، تبرز الحاجة إلى موقف حازم يتجاوز مجرد الرفض النظري. المطلوب اليوم تحرك جاد يبدأ من التوعية الشاملة بخطورة السحر والشعوذة، ويستمر بإغلاق المراكز الوهمية التي تستغل حاجة الناس للعلاج، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في هذه الممارسات. كما يجب مراقبة من يدّعون الرقية الشرعية بدون علم شرعي صحيح، ويتخذون من معاناة الآخرين وسيلة للربح والنفوذ.


الصمت عن هذه الجرائم يعني المشاركة فيها، والسكوت عن استغلال الدين بهذه الطريقة البشعة هو خيانة لقيمنا وديننا وإنسانيتنا. إن السحر جريمة، واستغلال الدين جريمة أعظم، والمعركة ضدهما معركة وعي وعدالة وكرامة.


اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى أن نرفع أصواتنا، وأن نفضح هذه الممارسات، وأن نحمي الإنسان من عبث العابثين وتجارة الدجالين. الكلمة الصادقة، والوعي المجتمعي، والشجاعة في المواجهة، هي أسلحتنا لإنقاذ مجتمعنا من هذه الآفة التي تنهش جسده بصمت.