آخر تحديث :الجمعة-12 ديسمبر 2025-03:19م
أدب وثقافة

الدان.. إرث حضرموت الباذخ الذي حلق في سماء العالم

الجمعة - 12 ديسمبر 2025 - 01:57 م بتوقيت عدن
الدان.. إرث حضرموت الباذخ الذي حلق في سماء العالم
(عدن الغد) خاص:

كتبه/ الشاعر سعيد خميس بامحسون


في لحظة تأمل عميقة، وبين زخم المشاعر والفخر، وجدتني أختزل الحديث عن حضرموت الأم والوطن، تلك الأرض التي تنبض بالتاريخ، وتفيض بالثقافة، وتزخر بالفنون في سطور قليلة، لكنها مشحونة بالحب والانتماء، حضرموت ليست مجرد رقعة جغرافية على خارطة الجزيرة العربية، بل هي ذاكرة حضارية نابضة، ومخزون ثقافي باذخ، ومصدر إشعاع أدبي وفني امتد أثره من ضفاف الخليج إلى أقاصي القارات، عبر هجرة أبنائها الذين حملوا معهم تراثهم كأمانة ورسالة.


واليوم، نقف على عتبة إنجاز تاريخي يثلج الصدر ويبهج القلب: إدراج فن "الدان الحضرمي" ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة اليونسكو، خلال الدورة العشرين للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، المنعقدة في العاصمة الهندية نيودلهي، إنه اعتراف عالمي مستحق، وتكريم لفن عريق يعكس وجدان حضرموت وروحها.


ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتوجه بالشكر والعرفان لوزارة الإعلام والثقافة والسياحة، ومؤسسة حضرموت للثقافة والقائمين عليها وجميع منتسبيها، ولكل من أسهم في هذا الإنجاز، وعلى رأسهم الأستاذ المايسترو محمود الهندي، والأستاذ منير بن وبر، وسعادة السفير محمد جميح، الذين كانوا أحد أعمدة هذا الجهد المبارك، كما لا ننسى أولئك الذين خدموا هذا الفن قديمًا وحديثًا، فبصماتهم لا تزال حاضرة، وأصواتهم تتردد في ذاكرة السامعين.


حضرموت، بتاريخها الممتد إلى فجر الحضارات، كانت ولا تزال منبعًا لهوية ثقافية متفردة، تتجلى في أدبها، وفنونها، وموروثها المتنوع، الذي تشكل عبر قرون من التفاعل بين تضاريسها المتباينة من السواحل إلى الجبال، ومن الصحارى إلى الوديان وبين نسيجها الاجتماعي الغني، من بدو وحضر، ومن ريف ومدن، ومن مدارس دينية وصوفية وقبلية وزراعية وبحرية وغير ذلك.

ومن بين هذه الفنون، يبرز "الدان الحضرمي" كأيقونة فنية راقية، تحمل في طياتها عبق التاريخ، وصدق المشاعر، وعمق الانتماء، هو فن لا يُسمع فحسب، بل يُحس ويُعاش، يلامس الوجدان، ويوقظ الشجون، ويجسد روح الإنسان الحضرمي في لحظات الفرح والحزن، التأمل والبوح، الحنين والاعتزاز.


إن تتويج "الدان" اليوم ليس مجرد احتفاء بفن، بل هو تكريم لأرض، واعتراف بعراقة، ورسالة مفادها أن حضرموت مليئة بالكنوز الثقافية التي تستحق أن تُكتشف وتُوثق وتُصان، وهو بداية الطريق نحو إدراج المزيد من فنونها وموروثها في المحافل الدولية، وحفظ حقوقها الأدبية والفنية.


ولا يسعنا إلا أن نترحم على شعراء الدان وملحنيه وفنانيه وكل من انتسب إليه، أولئك الذين أبدعوا بكلمات خالدة، وألحانًا شجية، دخلت القلوب دون استئذان، وظلت حية في ذاكرة الأجيال، رحمهم الله جميعًا، وجزاهم عن حضرموت خير الجزاء.


وفي الختام، فإن مسؤوليتنا اليوم نحن معشر المثقفين والأدباء والفنانين مضاعفة، فتكريم "الدان" هو تشريف وتكليف، يدعونا إلى وقفة جادة لتوثيق ما تبقى من فنوننا وموروثنا، والسعي لإنشاء متحف حضرمي للفنون يحتضن هذا الإرث العظيم، كما أن علينا أن نرفد الساحة بأعمال جديدة، تستلهم روح الأرض، وتجمع بين الأصالة والتجديد، وتفتح المجال أمام الشباب ليبدعوا ويجددوا، ويصوغوا هويتهم الفنية بما يليق بعصرهم، دون أن ينسوا الجذور.

كل الشكر والامتنان لكل من ساهم في رفع اسم حضرموت عاليًا، ولكل من آمن أن الفن والثقافة هما جسرنا إلى العالم، ومرآتنا التي تعكس هويتنا الحضارية.