آخر تحديث :السبت-11 أكتوبر 2025-06:02م
أدب وثقافة

قرابين بلا ثمن ( قصة)

السبت - 11 أكتوبر 2025 - 02:24 م بتوقيت عدن
قرابين بلا ثمن ( قصة)
بقلم / عصام مريسي

القربان الاول

اشعة الشمس ترسل بريقها وخيوطها المغزولة بالذهب تقبل رؤوس الحشود الواقفة في طوابير منتظمة تتلقى التعليمات والدروس عن تكتيكات المعارك الحربية وفنون استخدام السلاح حيث يتعاقب القادة على الأفراد في إلقاء الدروس والفنون القتالية وهو يقف في ٱخر الطابور يستمع في شغف لكل ما يلقى حتى يتغيب عن المكان لتنقله الذكريات ويعود به الحنين إلى حوش بيته (,سور) حيث تقبع وألدته ووالده المريض على فراشه وأمه تقف أمام التنور الملتهب بكفيها تقطع العجين المصنوع من دقيق الشعير والقمح تجعله أقراص كقرص الشمس الملتهبة وتقلبه بين كفيها وتضعه في التنور وهو يجلس إلى جوارها ينتظر نضوج قرص الخبز الأول (الملوج) ليكون من نصيبه ووالده يأخذ الخبز الناضج ومعه اكواب الشاي مسرعا نحو والده:

أبي انهض

يحاول رفع والده مسندا أياه إلى جدار الغرفة الصغيرة ويضع لقمة في فمه ثم يتبعه بقدح الشاي ليرتشف منه مايستطيع وبكفه الصغير يمسح ما يسيل من في والده ثم يتبعه بلقمة أخرى ورشفة شاي وبعدها يضع لقمة في فمه.

تناديه أمه :

لقد نضج قرص أخر .. اسرع لتأخذه

يقبل مسرعا نحو حوش المنزل المكون من غرفة واحدة بملحقاتها المتواضعة وأمه ماتزال واقفة إلى جوار التنور الملتهب .

يستفيق من رحلة الحنين التي ترجلها نحو بيته ووالديه على صوت القائد وهو يعطي الامر بالاستعداد لتأدية بعض التمارين العسكرية:

استعد .. استريح. ... استعد

يحاول الأسراع ليلحق بالطابور العسكري المتوجه نحو تنفيذ درس عملي في تفكيك السلاح الكلاشنكوف ومازالت صور ألعابه المصنوعة من الخشب وبقايا البلاستيك مرصوصة ومتناثرة في حوش المنزل وحول التنور القابع في زاوية من زوايا حوش المنزل وكلما احس بلهيب الشمس تلسع جسده الصغير وشعر بالأعياء حاول أن يتماسك وهو يهمس لنفسه،:

سيصرف لي راتب وساصبح عسكري تصرف لي بطاقة حتى اعلاج والدي في المشفى العسكري.

ساشتري لامي ملابس جديدة ساوفر كل مايحتاجه البيت ولن تعمل أمي في البيوت مقابل قليل من الدقيق والزيت والأرز.

يلقي القائد التعليمات ويأمر بتسليح الكتيبة يقف الفتى القربان في الطابور يستلم قطعة الكلاشنكوف يضعه على كتفه يتدلى السلاح حتى يلامس الأرض ينطلق الجموع نحو العربات والسيارات التي ستقلهم إلى أرض الجبهات المشتعلة كتنور أمه الذي لا ينطفئ وهو في شوق لاستخدام السلاح الذي تدرب عليه حتى تنطلق منه رصاصة حقيقية تستقر في جسد الأعداء كما كان يقال له من قبل قادته.

القربان الثاني

تنطلق السيارات خلف العربات نحو ساحات القتال المستعرة من سنوات وهم يرددون الصرخة:

الله أكبر .. الموت لأمريكاء اللعنة على اليهود

تتردد الصرخة لتملأ الفضاء بذوي تردد في الأنحاء الجبال والقفار كأنه إعصار.

يقف وعلى كتفه سلاحه الكلاشنكوف وإلى جواره يقف الفتية الصغار يحوم في نفوسهم الشغف لخوض غمار المعارك لتحقيق أحلامهم من خوض غمار الحرب وحصد ارواح الخصوم الأعداء يسأل من يقف إلى جواره ليقطع شريط ذكرياته وهو يتأمل الطريق والجبال من خلفهم تتلاشئ نحو الأفق كأنها تنحني إجلالا لأرواح القرابين التي ستهدر عبثا يناديه:

أنت من القرية المجاورة

يستدير نحوه متفحصا ما يقول ثم يصدر على مضض الإجابة:

هل يعنيك الأمر كثيرا.

ببراءة تتدفق الكلمات،:

اردت أن اتعرف عليك .. وكسر حاجز الملل في أثناء الطريق قبل أن نصل إلى الجبهة.

ينصرف القربان الثاني إلى جهة أخرى في الشاحنة التي تقل المجندين تاركا لبصره العنان يقلب صفحة التضاريس المتنوعة بين جبال شاهقة ورقعة صحراء شاسعة كحياته الفضفاضة وهو يبحث عن لقمة العيش لاخوته الصغار ومصاريف تخزينة القات لزوج أمه الذي إذا تأخر في توفير تخزينته من القات ( ورق نبات يزرع في الجبال والوديان يحوي مواد منبهة) انفعل ومد يديه الغاشمتان يضرب إخوته الصغار وأمه ويكسر أدوات المنزل العتيقة المهترئة وكلما رفع كفه نحو رأس أمه أحس الفتى بالغضب واستعر في نفسه الحنق الذي يسري في دمه ويجعله يفكر في قتله من غير شعور تمتد يده حتى تستقر اصابعه على زناده وتساوره الرغبة عندما يعود في إطلاق رصاصات تستقر في جسد زوج أمه العدو الذي حول حياته وأمه إلى مأساة فقد حان وقت الخلاص منه فقد احتفظ برصاصات في جيبه لن يستخدمها إلا عند عودته للمنزل سيهبها صدر زوج أمه مازالت اصابعه قابضة على الزناد يستفيق على صدى ترديد صوت الصرخة:

الله أكبر.. الله أكبر

الموت لامريكا. . الموت لاسرائيل... اللعنة على اليهود

عصام مريسي