منذ اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، يعيش اليمنيون واحدة من أطول المآسي الإنسانية في تاريخهم الحديث. فخلال أكثر من أحد عشر عامًا، تحولت حياة ملايين المواطنين إلى سلسلة متواصلة من الأوجاع والمآسي، وسط اتهامات متزايدة للجماعة بأنها السبب الرئيس في هذه الكارثة الوطنية، بعدما فرضت مشروعها بقوة السلاح على حساب الدولة اليمنية ومصالح الشعب.
يشير مواطنون وناشطون إلى أن الحوثيين لم يكتفوا بالانقلاب على مؤسسات الدولة، بل عمدوا منذ اللحظة الأولى إلى ضرب أسس الحياة العامة، عبر إيقاف الرواتب، ونهب موارد الدولة، وقطع الكهرباء والخدمات الأساسية، ما جعل معاناة اليمنيين اليومية أداة بيد الجماعة للمتاجرة بها داخليًا وخارجيًا. ويصف مراقبون هذه السياسات بأنها “منهجية”، الهدف منها إبقاء الشعب في حالة ضعف وانكسار دائم، لتسهيل استمرار السيطرة المطلقة للجماعة.
وعلى مدى السنوات الماضية، لم يعرف اليمن سوى الحرب والفوضى وانهيار القانون. فكل محاولة للسلام أو لتطبيع الأوضاع كانت تصطدم بتعنت الحوثيين وإصرارهم على إبقاء البلاد في دائرة الصراع، باعتبار أن الفوضى هي البيئة المثالية لتمكين مشروعهم الطائفي. هذه السياسة، بحسب محللين سياسيين، ليست مجرد خيار تكتيكي بل استراتيجية شاملة، تهدف إلى تحويل اليمن إلى ساحة دائمة للصراع تخدم أجندات إيران الإقليمية، بعيدًا عن مصالح اليمنيين وتطلعاتهم.
وتتضاعف الاتهامات للجماعة بأنها لا ترى في اليمن سوى وسيلة للابتزاز السياسي والمادي، حيث حوّلت دموع الأمهات وأنين الأطفال إلى تجارة مربحة، تستخدمها للحصول على مكاسب من الخارج، بينما يظل المواطن اليمني ضحية الجوع والحرمان. فإلى جانب القتل والتدمير، لعب الحوثيون دورًا مباشرًا في تدمير الإنسان نفسه، من خلال محاولة إخضاع المجتمع وإفراغه من حيويته، وتحويل المواطن الحر إلى تابع خائف، والجماهير إلى أدوات تُساق تحت الدعاية والشعارات الطائفية.
ويرى ناشطون أن مشروع الحوثي ليس يمنيًا في جوهره، بل هو مشروع دخيل قائم على القهر ونهب الثروات وتوظيف العقائد الوافدة، إذ لا يعترف بالقيم الوطنية ولا بتاريخ اليمنيين، بل يسعى إلى طمس الهوية الجمهورية واستبدالها بمفهوم استعبادي يقوم على الولاء الأعمى. ولذا، فإن كل مأساة صنعتها هذه الجماعة رسخت في أذهان الناس قناعة متزايدة بأنها مجرد خنجر إيراني مسموم غُرس في خاصرة اليمن.
ورغم ضخامة الكارثة، فإن أصواتًا كثيرة تؤكد أن الشعب اليمني لم يفقد الأمل، وأن سنوات الحرب العصيبة لم تزِد اليمنيين إلا وعيًا بحقيقة هذا المشروع وأبعاده. ويؤكد مواطنون أن إصرارهم على التمسك بجمهوريتهم وهويتهم الوطنية بات أقوى من أي وقت مضى، وأن مشروع الحوثي مهما طال لن يكون سوى فصل مظلم في تاريخ اليمن سينتهي عاجلاً أم آجلاً.
وبينما تتواصل المآسي اليومية، يبقى اليمنيون متمسكين بأمل كبير في أن يتحول صمودهم ومعاناتهم إلى قوة دافعة نحو استعادة دولتهم وكرامتهم. فكل دمعة سقطت، وكل مأساة عاشوها، كانت في الوقت ذاته شهادة جديدة على وعيهم المتزايد بحقيقة ما يواجهونه، وإصرارهم على الخروج من دوامة الحرب نحو مستقبل آمن ومستقر.