آخر تحديث :الأحد-28 سبتمبر 2025-11:22ص
أخبار وتقارير

مأساة مزدوجة في صنعاء تحت ركام الغارات الإسرائيلية

الأحد - 28 سبتمبر 2025 - 09:22 ص بتوقيت عدن
مأساة مزدوجة في صنعاء تحت ركام الغارات الإسرائيلية
عدن الغد - متابعات

عاشت العاصمة اليمنية صنعاء، يوم الخميس الماضي، مأساة مزدوجة، جرّاء الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مناطق سكنية مكتظة. ففي الوقت الذي كان فيه الأهالي يبحثون عن أبنائهم في الأحياء السكنية، ما زال أهالي معتقلين لدى الحوثيين في صنعاء ينتظرون طمأنتهم على ذويهم في السجون التي قالت الجماعة إنها استُهدفت بالغارات الإسرائيلية. وبينما كانت الانفجارات تتوالى وأعمدة الدخان تتصاعد من تسع مناطق سكنية، كان سمير المحنّي يجوب مرعوباً بين أحياء صنعاء القديمة يبحث عن ابنه معتز الذي كان في أثناء الغارات في الشارع، حيث استهدفت غارة إسرائيلية مبنىً تابعاً لجهاز الأمن القومي في قلب أحياء المدينة التاريخية التي يعود عمرها إلى ما قبل 2500 سنة.

سمير وجد أصدقاء ابنه في تلك اللحظات العصيبة الذين أشاروا إلى أن معتز كان معهم في ذات الحي قبل أن يتفرقوا للنجاة بالقرب من سور المبنى المستهدف، وفق ما روى شهود عيان لـ"العربي الجديد". وقال أحدهم: "عندما بدأت عملية الإنقاذ وكانت الجرّافة تبعد أنقاض السور، ظهرت جثة معتز وهرع والده وأصدقاؤه لإزالة التراب بأيديهم لعلهم يجدونه حياً، لكنه فارق الحياة". ويعتاد الفتيان في صنعاء القديمة اللعب في ساعات النهار في الأزقة الضيّقة للمدينة التاريخية، وكان السور الطيني المحيط بالمبنى أيضاً ملاصقاً لحمّام بخار قديم يعرف باسم "حمّام الميدان" الذي كان في أثناء الغارات مزدحماً بالنساء. وملأ الرعب المكان بعدما انهار جزء منه.

وروى أحد الشهود: "كانت لحظة صادمة في كل الحيّ، وربما ظنّ معتز أن سور المبنى يمكن أن يحميه من القصف. في ذات الوقت علت أصوات استغاثة الأهالي الذين كانوا يبحثون عن النساء في حمّام البخار القديم".

ويخصّص حمّام البخار أربعة أيام في الأسبوع للنساء فقط، بينها يوم الخميس الذي شنّت المقاتلات الإسرائيلية فيه الغارات. وغطّى الدخان والأتربة أحياء المدينة التي يوجد فيها 14 حمّاماً و103 مساجد وأكثر من 6 آلاف منزل بُنيت قبل القرن الحادي عشر من الياجور (الطين المدكوك) بطوابق متعددة ما زالت مأهولة وتعجّ بالحياة حتى اليوم.

وقالت سلوى التي تسكن في صنعاء القديمة: "كل السكّان شعروا أن القصف وقع بجوارهم، وعندما عرفنا مكان القصف، شعرنا بالخوف على النساء في الحمّام، لأنه يكون في العادة مزدحماً، وخصوصاً في يوم الخميس". وأضافت لـ"العربي الجديد": "الرعب الأقسى الذي انتاب الأهالي كان خلال اللحظات التي استبقت معرفة مصير النساء، وكيف سيكون حالهن تحت الأنقاض وهن كنّ في حمّام البخار بأمان".

ومدينة صنعاء القديمة مسجلة في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) منذ عام 1986، وقالت الهيئة العامة للمتاحف والآثار، إن القصف الإسرائيلي استهدف الجزء الشرقي من مدينة صنعاء القديمة، وتحديداً حارات البكيرية وصلاح الدين والمفتون، ما أدى إلى وقوع أضرار جسيمة طاولت المباني التاريخية والبيئة العمرانية.

وقال السفير اليمني لدى يونسكو، محمد جميح، إن "العدوان الإسرائيلي أصاب حرم المدينة القديمة بأضرار بالغة في منازلها التي تعدّ واحدة من أقدم مدن العالم"، مضيفاً في منشور على منصة إكس: "اليونسكو مطالبة بالتحرك، وقد خاطبت المنظمة بخصوص الضربات السابقة، والأضرار التي خلفتها على المتحف الوطني"، في إشارة إلى الغارات الإسرائيلية التي استهدفت حيّ التحرير في 11 سبتمبر/أيلول الحالي، وأوقعت 46 شهيداً و165 جريحاً.

وأوقعت الغارات الإسرائيلية، يوم الخميس الماضي، تسعة شهداء، من بينهم أربعة أطفال وامرأتان، فيما بلغ عدد الجرحى 174، بينهم 59 طفلاً و35 امرأة في حصيلة غير نهائية، وفق وزارة الصحة في حكومة الحوثيين التي قالت صباح الجمعة: "إن فرق الدفاع المدني والإسعاف لا تزال تبحث عن ضحايا من تحت الركام والأنقاض والتعرف إليهم".

بالإضافة إلى الغارات التي استهدفت صنعاء القديمة، شنّت إسرائيل غارات على مناطق سكنية أخرى، أبرزها في حيّي حدة والسبعين وأحياء أخرى في ذهبان شمالي صنعاء، وأيضاً في حي الرقاص بشارع هائل. واستهدفت الغارات منزلاً يبعد أمتاراً قليلة عن مدرسة وسور جامعة صنعاء، ويقع وسط سوق شعبي توجد فيه مطاعم ومقاهٍ ومحلات تجارية.

وقال صالح، أحد سكان شارع هائل: "وقعت الغارة بعد وصولي إلى مقهى على بعد أمتار من المنزل المستهدف، وصلت الشظايا إلى السطح وتفرّق الناس بشكل مخيف من المكان، لا يعرفون أين يذهبون، كانت لحظات مرعبة لا تنسى".

وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "تعايشنا خلال السنوات الماضية منذ عام 2015 مع كل أصناف الرعب من الغارات الأميركية البريطانية، وأخيراً الإسرائيلية التي هي الأعنف والأكثر تدميراً".

ورصدت وسائل إعلام الدمار الذي طاول حي الرقاص، حيث دمرت الغارات عدداً من المنازل، فيما لم يعرف حجم الدمار في بقية المواقع المستهدفة، حيث يفرض الحوثيون قيوداً كثيرة عليها، ويحذرون المواطنين من نشر أي صور أو فيديوهات.

وتحدث سكان لـ"العربي الجديد"، عن ضحايا كثر بين المدنيين، حيث تطايرت شظايا إلى مسافات بعيدة. ففي حيّ الأعناب شمالي صنعاء، أصابت شظايا أشخاصاً على بعد كيلومتر من مكان القصف الذي خلّف دماراً كبيرا في المباني المجاورة. وقال محمد، أحد سكان منطقة شملان شمالي صنعاء، لـ"العربي الجديد" إن "سيارته تعرضت لأضرار بالغة وكل النوافذ والأبواب تكسرت، وكثير من الجيران تضرروا كثيراً، وهناك ضحايا كثير في المنازل لا أحد يعرف عنهم وغير مرصودين لدى السلطات".

وزعم الجيش الإسرائيلي أن الغارات على صنعاء طاولت أهدافاً تابعة لجهاز الأمن والاستخبارات وقوات الحوثيين. وقال إن "من بين الأهداف الإسرائيلية مقر قيادة التحكم لقيادة الأركان الحوثية ومجمّعات لجهاز الأمن والاستخبارات التابع للنظام الحوثي"، لكن الحوثيين نفوا صحة الادعاءات الإسرائيلية باستهداف القيادة والسيطرة وأكدوا، وفق مصدر عسكري، أن الغارات استهدفت "أعياناً مدنية".

واستهدفت الغارات ثلاثة مواقع ومبانٍ على الأقل معروفة أنها للاستخبارات منذ ما قبل سيطرة الحوثيين، وكشفت هذه المواقع المستهدفة وجهاً آخر للمأساة، بعدما أكد مصدر في استخبارات الحوثيين "أن العدوان الإسرائيلي استهدف إحدى الإصلاحيات التابعة لجهاز الأمن والاستخبارات، تضم عدداً من السجناء والمعتقلين"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها التي يديرها الحوثيون في صنعاء.

ويعيش المواطنون في صنعاء، مأساة مزدوجة بين نيران قصف العدوان الإسرائيلي الذي يتوسع بوحشية في الأحياء السكنية، وإصرار جماعة الحوثيين على تصفية حساباتها الداخلية مع خصومها بمبرر مواجهة العدوان، وأكثر من ذلك فإنها تستهدف كل من يجرؤ على النقد، حتى ولو لم يكن له أي ارتباط بأطراف الحرب في داخل البلاد.

وأطلق أهالي معتقلين لدى جماعة الحوثيين نداءات استغاثة لطمأنتهم على أبنائهم. وكتبت صفية المضواحي مساء الجمعة: "28 ساعة من القلق والخوف ولا أعرف إن كان زوجي الدكتور علي أحمد المضواحي، المخفي قسراً في سجون صنعاء منذ 8 يونيو/حزيران 2024، بخير أو لا". وأضافت في منشور على منصة فيسبوك: "بالأمس (الخميس) ناشدتُ أصحاب القرار للاطمئنان عليه بعد الضربات على مقرات الأمن وتداول أخبار عن سقوط ضحايا من السجناء والمعتقلين ومرّت الساعات وما زال الصمت يقتلني"، وتابعت: "إلى أصحاب القرار في صنعاء (الحوثيين) أنا زوجته، وأعيش حالة رعب، هل تسمحون له باتصال واحد يطمئننا؟". المضواحي اعتُقِل ضمن حملة شملت عشرات من موظفي المنظمات الدولية والمحلية في اليمن، وكان مستشاراً سابقاً في وزارة الصحة اليمنية، وتقول زوجته إنه "مخفيّ قسراً ولا تعلم مصيره".

من جهتها، كتبت ندى قاسم، زوجة معتقل آخر، على "فيسبوك": "لم نستطع أن نطمئن بشكل قاطع على سلامة عدنان زوجي، ولا نعرف السبيل لذلك"، وأضافت مخاطبة الحوثيين: "مش كفاية كميّة الظلم الواقعة علينا طوال ثلاث سنوات، يعني يكملونها باللامبالاة، وكأننا لسنا أشخاصاً مثلهم، يعترينا القلق والحزن ونشعر بالظلم كما يشعرون".

والمقرات التابعة للاستخبارات الحوثية تشمل سجوناً مخصصة للخصوم السياسيين أو من تزعم الجماعة أنهم يشكّلون خطراً أمنياً. وارتبطت الاعتقالات خلال السنوات الماضية في صنعاء بحالة الصراع والحرب بين الأطراف اليمنية بشكل أساسي، حيث خرج مئات المعتقلين في صفقات التبادل مع أطراف الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً. ولم يكشف الحوثيون أي تفاصيل عن ضحايا تلك السجون ولم تلق مناشدات الأهالي أي طمأنات. إلى ذلك، أوردت قناة المسيرة الناطقة باسم الجماعة، أن "الاستهداف الإسرائيلي للسجون محاولة ليتمكن السجناء من الفرار لإثارة الفوضى ضد الجماعة"، لافتة إلى أن "المخطط الصهيوني يهدف إلى الاستفادة من خلايا العدوان من المعتقلين".

وتزامنت الغارات الإسرائيلية عشية الذكرى السنوية للثورة اليمنية وإعلان الجمهورية 26 سبتمبر 1962، التي تشهد عادة احتشاداً شعبياً وطنياً واسعاً. وخلال السنوات الماضية، شكّلت الذكرى مصدر قلق واستنفار الحوثيين، حيث تُقمَع أي مظاهر شعبية للاحتفالات. والأسبوع الماضي، حذرت وزارة الداخلية في حكومة الحوثيين (غير المعترف بها)، من أي مظاهر للاحتفال تحت مبرر "وجود مخططات معادية لاستهداف الجبهة الداخلية". وشهدت صنعاء أول من أمس الجمعة، حالة توتر وانتشاراً أمنياً كثيفاً في حالة طوارئ غير معلنة، أُوقِف فيها مواطنون فُتِّشَت هواتفهم، واعتُقِل آخرون، ضمن حملة واسعة بدأت منذ أيام في عدد من المحافظات شملت كل من ينتقد الجماعة على وسائل التواصل الاجتماعي.