آخر تحديث :الإثنين-25 أغسطس 2025-03:26م
أخبار وتقارير

مياه الصرف الصحي تلوّث شوارع تعز

الإثنين - 25 أغسطس 2025 - 10:56 ص بتوقيت عدن
مياه الصرف الصحي تلوّث شوارع تعز
(عدن الغد)العربي الجديد:

يبدو المشهد واضحاً في شوارع مدينة تعز اليمنية، حيث تسيل مياه الصرف الصحي مهدّدةً البيئة كما صحة المواطنين الذين يعانون في ظلّ الأزمات التي تتخبّط فيها البلاد عموماً.

تواجه مدينة تعز الواقعة جنوب غربي اليمن كارثة بيئية ناتجة عن انسداد شبكة المجاري وبالتالي طفحها، الأمر الذي يؤدّي إلى سيلان مياه الصرف الصحي في الحارات والشوارع العامة، في ظلّ غياب أيّ خطط للمعالجة من السلطات المحلية بالمدينة. ويترافق طفح المجاري في تعز مع كثرة "غرف التفتيش" الخاصة بشبكة الصرف الصحي المفتوحة في المدينة، علماً أنّها تمثّل تهديداً كبيراً للسكان الذي قد يسقطون فيها، خصوصاً الأطفال منهم. وكان عدد من المدن اليمنية قد شهد حوادث سقوط في هذه الفتحات، ما تسبّب بوقوع عدد من الضحايا، في وقت تعلو فيه مناشدات الأهالي الموجّهة إلى المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في محافظة تعز بوضع حلول عاجلة لتلك الفتحات.

يقول رائد النجار، من أهالي تعز، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مواطنين كثيرين يعمدون إلى فتح غرف التفتيش الخاصة بالصرف الصحي، خصوصاً عند التماس بوادر أمطار، بسبب انسدادها، في ظلّ عدم صيانة شبكة الصرف الصحي بالمدينة من قبل المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي، الأمر الذي يؤدّي إلى سيلان مياه الصرف الصحي في الشوارع والتسبّب في أزمة صحية وكذلك بيئية، مع انتشار الروائح الكريهة في الأجواء"، مشدّداً على أنّ ذلك يأتي "في غياب القوانين الرادعة من الجهات المسؤولة في المدينة، إذ باتت الشوارع مليئة بالفتحات".

من جهتها، تؤكد هنود العماري، ربّة أسرة في تعز، لـ"العربي الجديد"، أنّ "فتحات الصرف الصحي صارت تمثّل خطراً على المارة، خصوصاً الأطفال، إذ إنّ عدداً كبيراً منها يبقى مفتوحاً بعد فقدان الأغطية، الأمر الذي يؤدّي إلى سقوط أناس فيها، بالإضافة إلى انتشار الروائح الكريهة". تضيف أنّ "المجاري تطفح من هذه الحفر فتملأ الشوارع، في حين أنّ المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في تعز لا تقدّم أيّ حلول لمعالجة هذه المشكلات"، مشيرةً إلى أنّه "لم يتبقَّ من المؤسسة إلا الاسم فقط".

وتُسجَّل سرقات تطاول أغطية فتحات الصرف الصحي في تعز، التي تُباع لاحقاً لمحال الخردة في مقابل مبالغ مالية ضئيلة، من دون إدراك عواقب مثل هذه الأفعال. ويأتي ذلك في ظلّ غياب عمليات صيانة شبكة الصرف الصحي بالمدينة منذ بداية الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، الأمر الذي تسبّب في انسداد أنابيب شبكة الصرف الصحي والعبّارات التابعة لها وكذلك انسداد بواليع المنازل فيما تُفتَح "غرف التفتيش" الخاصة بالشبكة وتُترَك بواليع الشوارع لتطفح.

وتعاني مدينة تعز من ضعف شديد في البنية التحتية، إذ تعتمد المدينة على شبكة صرف صحي قديمة ومتهالكة ولا تخضع للصيانة، ما يجعلها مهدّدة بالانهيار الكلّي. كذلك تعاني شبكة تصريف الأمطار في تعز من الانسداد، إذ صارت القناة الرئيسية في المدينة المخصّصة لتصريف السيول مليئة بالنفايات التي يرميها المواطنون فيها، وهو ما يساهم في تفاقم الأزمة البيئية بالمدينة، في ظلّ التحذير من التهديدات الصحية من قبيل انتشار الأمراض، لعلّ من أبرزها الكوليرا والإسهالات المعوية.

في هذا الإطار، يقول المهندس زائد سلطان، مدير إدارة المشاريع لدى المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في محافظة تعز، لـ"العربي الجديد" إنّ "الخطوط القديمة تمثّل 30% من حجم الشبكة"، مبيّناً أنّ "هذه الشبكة الإسمنتية القديمة التي أُنشئت في عام 1980 في حاجة إلى استبدالها بالكامل، نتيجة انتهاء عمرها الافتراضي". ويشرح سلطان أنها "تتعرّض للتلف بسبب انتهاء عمر الخرسانة، بالإضافة إلى انسدادها مع دخول مخلّفات إليها بالتزامن مع مياه الأمطار"، مضيفاً أنّ "خطوط الشبكة البلاستيكية لم تُنظَّف منذ نحو 20 عاماً، وذلك لعدم توفّر المواد والمعدّات اللازمة لتنظيفها، فيما الجدران الداخلية للمواسير تحتاج كذلك إلى التنظيف، ونحن غير قادرين على ذلك بسبب الأوضاع القائمة في البلاد وسط الحرب".

ويتابع مدير إدارة المشاريع لدى المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في محافظة تعز أنّ "من بين أسباب غياب دور المؤسسة عمليات التحميل العشوائية على الشبكة التي يلجأ إليها عدد من مالكي المباني الجديدة، إذ يُكسر المنهل من الأفراد وتوصَل المجاري من دون الرجوع إلى المؤسسة". ويوضح سلطان أنّ "عند تكسير الخرسانة إلى داخل المنهل فإنّها توجَّه إلى داخل المواسير. كذلك فإنّ عدم الوعي يدفع المواطنين إلى رمي النفايات في المناهل والعبّارات، وسط غياب دور جهات الضبط المتمثّلة بالقوى الأمنية". ويلفت سلطان إلى أنّ "العمل في المؤسسة يجري مع عدم توفّر مخصصات للنفقات التشغيلية، كذلك لا يتوفّر لدينا كادر بشري متخصّص ولا فرق لمعالجة الصرف الصحي، ولا إيرادات، وكلّ هذا يجعلنا نواجه صعوبة حتى في تغيير غطاء فتحة أو منهل".

ويؤدّي طفح المجاري في مدينة تعز إلى انتشار أكبر للأمراض، مع العلم أنّ مسؤول الإعلام في مكتب وزارة الصحة العامة والسكان بمحافظة تعز تيسير السامعي كان قد أعلن، في تصريح أدلى به لوكالة الأنباء الألمانية في منتصف أغسطس/ آب الجاري، ارتفاع حالات الكوليرا في المحافظة. وشرح السامعي أنّ السلطات الصحية رصدت تسع وفيات بمرض الكوليرا في تعز منذ مطلع العام الجاري، فيما سُجّلت أربعة آلاف و903 حالة مُشتبه فيها، مشيراً إلى أنّ من بين الحالات 282 إصابة جرى التأكّد منها بالفحص المخبري. وعن أسباب انتشار المرض، قال السامعي إنّ انعدام الأمن المائي يدفع السكان إلى استخدام مياه ملوّثة تؤدّي إلى إصابتهم بالكوليرا.

في هذا السياق، يقول الطبيب عمر عبد الدائم لـ"العربي الجديد" إنّ "مياه الصرف الصحي تُعَدّ من الناحية الطبية مصدراً رئيسياً لانتقال أمراض معدية عديدة، خصوصاً في حال تسرّبها إلى شبكات المياه أو اختلاطها بمياه الشرب أو مصادر الريّ"، ويشرح أنّ "مياه المجاري تحتوي على عدد هائل من البكتيريا والفيروسات، مثل البكتيريا المسبّبة للكوليرا والتيفوئيد، والفيروسات المسبّبة لالتهاب الكبد الوبائي (أ)، والطفيليات المعوية التي تؤدّي إلى الإسهال الحاد". يضيف الطبيب أنّ "الأطفال وكبار السنّ وذوي المناعة الضعيفة أكثر عرضةً للإصابة بمثل هذه الأمراض. كذلك فإنّ التلوّث المستمرّ يرفع من معدّلات الإصابة ويُثقل كاهل النظام الصحي، لذا يجب التأكيد على أهمية تطوير شبكة الصرف الصحي، وإجراء الصيانة الدورية لها، وتوعية المجتمع بمخاطر التعرّض لمياه المجاري، بوصفها خطوة ضرورية للحدّ من انتقال الأمراض وحماية الصحة العامة".