في تقرير موسع، خصّت صحيفة "الجارديان" البريطانية الصحفي اليمني فتحي بن لزرق باهتمام لافت، واصفة إياه بأنه أحد أبرز الأصوات المستقلة التي تصدت للفساد والانتهاكات خلال سنوات الحرب في اليمن. التقرير أشار إلى أن بن لزرق، عبر منصته الإعلامية "صحيفة عدن الغد" وصفحته على فيسبوك التي يتابعها أكثر من 600 ألف شخص، استطاع أن يكون صلة وصل بين المواطنين والمسؤولين، وملاذًا لمن يبحث عن إنصاف في ظل غياب مؤسسات الدولة.
الجارديان سردت قصتين حديثتين عكستا تأثيره المباشر؛ الأولى حين تدخل لإنهاء احتجاز عشرات شاحنات الغاز عند نقطة أمنية قرب عدن بعد أن طالب الجنود مبالغ مالية طائلة، حيث قاد نشره للقضية على فيسبوك إلى تدخل عاجل من رئيس الوزراء ومسؤولين كبار. والثانية عندما أعاد فتحي فتح عيادة طبية أغلقت تعسفيًا بعد نشره مقطع فيديو للطبيبة المتضررة، ما أثار موجة تضامن شعبي.
التقرير أشار إلى أن بن لزرق لم يتوقف عن العمل منذ بداية الحرب قبل أكثر من عقد، حيث غطى اجتياح الحوثيين لعدن عام 2015 وهزيمتهم لاحقًا، وبقي في المدينة رغم الاقتتال الداخلي بين الفصائل المناهضة للحوثيين، مواصلًا فضح الفساد وتوثيق الانتهاكات ومساعدة الأسر الفقيرة وتأمين الإفراج عن المعتقلين.
الصحيفة أبرزت أيضًا فلسفة بن لزرق في العمل الإعلامي، إذ يرفض التحقيق في أي قضية مجهولة المصدر، ويلزم المشتكين بالحضور شخصيًا وتقديم الأدلة. كما شدد على أنه لا ينتمي لأي طرف سياسي، معتبرًا أن جميع القوى الحالية وُلدت من الحرب وقد تتلاشى بانتهائها.
ورغم تعرضه للاعتقال عام 2017 وتعرض مكتبه للاعتداء، يرفض بن لزرق اتخاذ إجراءات أمنية مشددة، مؤكدًا أن الحماية المبالغ فيها قد تجلب الخطر بدلًا من منعه. ويقول إن ما يدفعه للاستمرار هو قدرته على تحرير السجناء، وقف الانتهاكات، واستعادة الحقوق، مضيفًا: "لم أتوقف لأن وجودي قوي وأثري في المجتمع واضح".
الجارديان ختمت تقريرها بدعوة على لسان بن لزرق لعدم تجاهل معاناة اليمنيين في خضم انشغال العالم بتغطية أزمات غزة وسوريا وأوكرانيا، مشددًا على ضرورة دعم الجهود لإنهاء الحرب المستمرة منذ عقد.
النص المترجم الكامل لتقرير الجارديان
حينما تم احتجاز عشرات من شاحنات الغاز قرب مدينة عدن الجنوبية من قبل جنود يطالبون برشاوى باهظة، لجأ السائقون والتجار الغاضبون إلى شخص يثقون به: فتحي بن لزرق، الصحفي اليمني البارز.
معروف باستخدامه لوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي للمطالبة بالمحاسبة، نشر بن لزرق على فيسبوك عن معاناة السائقين، فانتشر المنشور بسرعة وجمع آلاف الإعجابات والتعليقات. وخلال ساعات، تلقى اتصالًا من رئيس الوزراء ومسؤول رفيع آخر تعهدا بحل المشكلة، وسرعان ما تحركت الشاحنات.
بعد أيام، تواصلت طبيبة في عدن مع بن لزرق بعد أن أغلق مسؤول صحي عيادتها انتقامًا منها لتنظيم مؤتمر طبي دون مشاركته، رغم حصولها على موافقة مسبقة من وزارة الصحة. نشر بن لزرق فيديو للطبيبة تروي ما حدث، ما أثار موجة دعم شعبي أعادت فتح العيادة.
قال بن لزرق للجارديان: "أحد أبرز نتائج الحرب هو انقسام البلاد إلى جيوب صغيرة، كل منها يسيطر على جزء من الطريق، وللبقاء، تفرض هذه الجماعات رسوماً أثقلت كاهل التجار". وأوضح أن الاتصال المباشر بالقيادات العسكرية لم يكن لينجح لأنهم ينكرون أي صلة بالجنود الذين احتجزوا الشاحنات، مضيفًا: "اضطررنا لفضحهم عبر الإعلام لأننا كنا نعلم أنهم لن يتنازلوا عن 30 مليون ريال كانوا يطالبون بها من 50 شاحنة".
منذ بداية الحرب قبل أكثر من عقد، ظل بن لزرق في الخطوط الأمامية للتغطية، موثقًا احتلال الحوثيين لعدن عام 2015 وهزيمتهم، وبقي رغم الاقتتال الداخلي، يواصل عبر "مؤسسة عدن الغد" فضح الفساد والانتهاكات، والمساعدة في الإفراج عن المعتقلين، وجمع التبرعات للفقراء.
يقول إنه أدرك قوة عمله بعد "تحرير" عدن عام 2015 عندما بدأ يسلط الضوء على المظالم، مضيفًا: "في البداية كان صوتي ضعيفًا، ثم اكتشفت أن الناس تلتف حول الأصوات القوية والحازمة".
يرى أن ضعف مؤسسات الدولة دفع الناس للبحث عن الصحفيين كصوت قادر على لفت الانتباه وتحقيق الحلول. ويؤكد أن وسائل الإعلام التقليدية ما تزال تلعب دورًا حيويًا بجانب قوة وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم تعرضه للاعتقال والتعذيب وهجوم على مكتبه، يرفض اتخاذ احتياطات أمنية مشددة، قائلًا: "إذا قرر أحدهم التخلص منك، فسيفعل، مهما كانت حمايتك"، مضيفًا أن الحماية الزائدة قد تجلب الخطر بدلًا من منعه.
يلتزم بعدم النظر في أي شكوى مجهولة المصدر، ويطلب من أصحابها الحضور وتقديم الأدلة والشهود. ويتلقى مكالمات كل خمس دقائق، بعضها من أشخاص يطلبون العدالة، وآخرون جائعون يبحثون عن مساعدة، وآخرون يريدون الرد على اتهامات.
يشير إلى أنه يخفف الضغط النفسي عبر ممارسة الرياضة والسفر لمصر كل أربعة أشهر تقريبًا لقضاء عشرة أيام في راحة تامة، أو الانعزال في منزله بأبين. ويختم قائلًا: "تحرير السجناء ووقف الانتهاكات واستعادة الحقوق، هي ما تدفع أي صحفي للاستمرار، ولم أتوقف لأن وجودي قوي وأثري في المجتمع واضح".