آخر تحديث :الجمعة-21 نوفمبر 2025-03:38م
أخبار المحافظات

من قلب قرية السرافي تقرير يوثق رحلة الماء الشاقة ومعاناة الأهالي

الجمعة - 21 نوفمبر 2025 - 03:21 م بتوقيت عدن
من قلب قرية  السرافي تقرير يوثق رحلة الماء الشاقة ومعاناة الأهالي
((عدن الغد))خاص

تقرير منيف خالد الرُبيح


على مشارف قرية السرافي في محافظة الضالع تبدأ أولى تفاصيل الحكاية حيث يلوح التعب على وجوه الناس قبل أن يلوح في تفاصيل المكان تبدو القرية من بعيد كأنها رقعة منسية على أطراف الجبال، تحاصرها الحاجة ويطاردها العطش من كل الجهات ومع كل خطوة داخلها، تتكشف معاناة أكبر مما يمكن أن تصفه الكلمات في مدخل القرية البداية كانت معَ المواطن فهمي محمد بن محمد الملقب"بـ الفلاح'أحد أبناء قرية السرافي الذين يحملون همومها يومًا بعد آخر كان يحدثنا بنبرة يختلط فيها الإصرار بالألم، وكأنه يلخّص معاناة مجتمع كامل لا يعرف سوى الصبر يخبرنا فهمي أنّ كل شيء في القرية أصبح شبه معدوم، وأن الحياة باتت تثقلهم بغياب أبسط مقوماتها يتحدث عن أزمة المياه وكأنها جرح مفتوح لا يندمل، فالحصول على مياه الشرب أصبح مهمة شبه مستحيلة لا يوجد في المنطقة أي مصدر قريب يمكن الاعتماد عليه ولا توجد


شبكة مياه ولا خزانات عامةوحدهم

الأهالي يقطعون مسافات طويلة على الطرق الترابية الوعرة، بحثًا عن القليل من الماء الذي يكفيهم ليوم أو يومين يصف فهمي تلك الرحلات اليومية بأنها معركة صامتة يخوضونها بلا توقف أحيانًا يعود الرجل من رحلته محمّلًا بجالون ماء، وأحيانًا يعود بلا شيء سوى الإرهاق وفي كل الأحوال تنتظره أسرته بقلوب قلقة تعرف معنى أن ينفد الماء في منزل صغير وسط الجبال وفي الوقت الذي يُفترض أن ينشغل الناس فيه بطموحات الحياة، ينشغل أهل السرافي بالبحث عن قطرات تحفظ لهم البقاء وبعد خروجنا من منزل فهمي اتجهنا إلى نقطة أخرى تختصر مأساة القرية بأكملها إنها "بئر دواسة" البئر التي يعتمد عليها معظم أهالي قرية السرافي


كمصدر أساسي للمياه تقع هذه البئر في منخفض صغير، محاطة بحجارة متناثرة ورغم أنها بئر سطحية ضعيفة الكميةإلا أنها كانت وما زالت أهل القرية يقترب الناس منهاصباحًا ومساءً على أمل أن يجدوا فيها ما يكفي حاجتهم من الماء لكن هذا العام جاء مختلفًا إذ قلّت الأمطار بشكل كبير، فتراجعت كمية المياه فيها إلى مستويات مقلقة لم تعد البئر قادرة على تلبية الحاجة كما في السنوات الماضية وأصبحت رحلات الانتظار أطول وأصعب يقول أحد الأهالي إنهم ينتظرون ساعات أمام البئر من أجل ملء جالون واحد تتجمع النساء حولها يحملن أوانيهن وهنّ يتبادلن الحديث عن سنوات العطش المتكررة ولا يختلف حال الرجال كثيرًا، فهم يقفون إلى جانبهن في صفوف طويلة تحولت إلى مشهد يومي مؤلم وتتسبب أزمة المياه في تراجع الزراعة التي كانت عماد حياة القرية الأرض القاحلة لم تعد تنبت كما كانت والحقول التي كانت تلوّن المكان بالخضرة فقدت لونها ومع غياب المياه تراجعت فرص العمل، فازدادت البطالة بين الشباب لم يعد أمام الكثير منهم سوى البحث عن عمل خارج القرية أو الانتظار لفرصة قد لا تأتي ويتحدث الأهالي عن أيام صعبة تتداخل فيها قسوة الطبيعة مع قلة الإمكانات وغياب الدعم ومع كل ذلك، لا يزال أهل السرافي



يحاولون الحفاظ على ما تبقى من قوتهم يغيّرون جداول حياتهم بما يتناسب مع أوقات توفر الماء ويقتسمون ما يحصلون عليه بين بيوتهم تتعاظم المعاناة أكثر مع دخول فصل الجفاف حيث يصبح الحصول على الماء تحديًا يوميًا ورغم تكرار المناشدات لم تصل إلى القرية أي مشاريع تضمن حلاً دائمًا وبينما كنا نختتم جولتنا اتجهنا إلى منزل المواطن جياد مثنى سعيد 'دهمس'يخبنرنا عن مُعاناة اخرى يسكن بجانب بئر يوسف التي تقع اعلى القرية البئر التي ضلت لسنوات عديدة تكافح مع ابناء هذه القرية كان يستقبلنا بحزن واضح لكنه مفعم بالأمل قال إن القرية تفتقر للمياه الجوفية والسطحية بشكل كامل وأشار إلى أن عدم وجود خزانات لحفظ مياه الأمطار يجعلهم يفقدون أهم مصدر كان يمكنهم الاعتماد عليه في مواسم الجفاف وأكد أن السرافي لا تحتاج إلى مساعدات مؤقتة بقدر حاجتها إلى مشاريع مستدامة تحافظ على حياة أهلها دعا الجهات المختصة للنظر بجدية إلى حال القرية وإيجاد حلول عملية تعيد لها القدرة على الصمود وأوضح أن أبناء السرافي تعبوا من سنوات الانتظارلكنهم رغم ذلك لا يزالون


يتمسكون بالأمل بأن يأتي اليوم الذي تتوفر فيه المياه بشكل دائم ويقول إن توفير بئر عميقة أو مشروع حصاد مياه الأمطار يمكن أن يغير مصير القرية بالكامل اكملت جولتي وانا احمل مشاهد العطش وقصص الكفاح الطويل وحين تنظر خلفك للمرة الأخيرة تدرك أن القرية رغم كل ما تعانيه ما زالت تقف شامخة بروح أهلها روح لا تستسلم ولا تزال تبحث عن النور حتى وسط أشد الظروف صعوبة ويبقى أمل السكان أن تصل أصواتهم إلى من يسمع وأن يجدوا يومًا ما حياة لا يهددها العطش ولا تقهرها البطالة فالسرافي تستحق أن تعيش… وأن تحصل على ما حصلت عليه غيرها من القرى من خدمات أساسية تضمن كرامة الإنسان ويبقى السؤال معلقًا: متى تأتي لحظة الفرج لهذه القرية المتعبة؟وحتى يأتي الجواب، سيظل أهل السرافي يواصلون صمودهم، حاملين بصبرهم قصة إنسانية لا يمكن تجاهلها