آخر تحديث :الأحد-13 يوليو 2025-07:16م
أخبار وتقارير

البناء العشوائي يزيد التشوّه في مدن اليمن

الأحد - 13 يوليو 2025 - 09:51 ص بتوقيت عدن
البناء العشوائي يزيد التشوّه في مدن اليمن
(عدن الغد)متابعات:

تنعكس حالة الفوضى التي يعيشها اليمن منذ أكثر من عشر سنوات على كلّ مناحي الحياة في البلاد. ويبدو الأمر جلياً من خلال البناء العشوائي الذي يتمدّد في المدن اليمنية، مشوّهاً وجهها ومضاعفاً من حجم التحديات التي تحول دون توفير الخدمات العامة للسكان.

في مديرية بني الحارث الواقعة عند أطراف مدينة صنعاء الواقعة وسط البلاد، اشترى فيصل العامري قطعة أرض وبنى عليها منزلاً، علماً أنّ المنطقة غير مخططة عمرانياً. يخبر العامري "العربي الجديد": "اشتريت قطعة الأرض قبل نحو تسع سنوات، وكانت الأسعار حينها متدنية نسبياً، خصوصاً أنّ المنطقة غير مخطّطة. وبعد تشييد منزلي، شهدت المنطقة توسّعاً عمرانياً كبيراً إنّما بطريقة عشوائية من دون تخطيط، الأمر الذي يجعلها محرومة من الخدمات العامة؛ فلا شبكات كهرباء ولا هاتف ولا صرف صحي ولا غيرها". يضيف العامري أنّ "نتيجة البناء العشوائي حول المنزل، وجدت نفسي بلا طريق يؤدّي إلى ملكي، الأمر الذي اضطرني إلى شراء قطعة أرض أخرى استخدمتها طريقاً للوصول إلى منزلي".

من جهته، يقول محمد علي أحمد من مدينة تعز جنوب غربي اليمن لـ"العربي الجديد": "بعد اغتراب في السعودية لمدّة 15 سنة، قرّرت الاستقرار في تعز، فاشتريت قطعة أرض لقاء ثمن مقبول بمنطقة المحصاب عند أطراف المدينة، وبنيت منزلاً بسيطاً". يضيف: "لكنّني فوجئت بأنّ المنطقة غير مخططة، والبناء فيها عشوائي، وتفتقر إلى كلّ الخدمات"، علماً أنّ "نتيجة بعد المنطقة عن السوق، أضطرّ يومياً إلى اجتياز مسافة طويلة للوصول لشراء الاحتياجات اليومية. كذلك، نتيجة بُعد المكان وافتقاره إلى الخدمات العامة، تتضاعف المصاريف".

ويكثر البناء العشوائي عند أطراف المدن اليمنية، حيث يشيّد ذوو الدخل المحدود خصوصاً منازلهم، فيُسجَّل بالتالي توسّع عمراني على حساب المساحات الخضراء يفتقر إلى التخطيط الحضري، علماً أنّ ذلك يؤدّي إلى تشويه المدن ونشر الفوضى وارتفاع أسعار الأراضي وغياب البنى التحتية. يُضاف إلى ذلك أنّ البناء العشوائي غالباً ما يجري في مناطق خطرة مثل تلك المهدّدة بالانهيارات الجبلية أو في مجاري السيول، ولا سيّما أنّ تلك المناطق تمتاز بتدنّي قيمة الأرض فيها، الأمر الذي يضاعف من حجم الطلب عليها.

ولا يستثني الزحف العمراني العشوائي المناطق السياحية. ففي مدينة تعز، من الممكن ملاحظة المنازل التي احتلّت مساحات واسعة من الجبل حيث قلعة القاهرة التاريخية. وقد بُنيت المنازل بمحاذاة السور أسفل القلعة، الأمر الذي تكرّر في محيط معالم سياحية أخرى مثلما حصل في مدينة عدن جنوبي اليمن، إذ طاولت العشوائية أجزاءً من حرم صهاريج عدن وقلعة صيرة وغيرهما من المعالم السياحية والتاريخية بالمدينة العريقة.

ويفيد عبد الرحمن الآنسي الذي يعمل في مجال المقاولات "العربي الجديد" بأنّ "البناء العشوائي قائم منذ ما قبل الحرب، بسبب عمليات نهب الأراضي من قبل نافذين في الدولة وضعف مؤسساتها وغياب التخطيط العمراني الذي يراعي توسّع المدن. لكنّ الأمر راح يتوسّع بعد الحرب، نتيجة عمليات نهب الأراضي، خصوصاً أراضي الخصوم السياسيين إلى جانب ضعف الأجهزة القضائية والأجهزة الأمنية والتغيير الديمغرافي الحاصل نتيجة النزوح".

يضيف الآنسي أنّ "فترة الحرب جعلت النافذين ينشطون في مجال العقارات التي يشيّدونها عشوائياً، فيما نهب الأراضي توسّع ليشمل تلك التابعة للدولة وللأوقاف. كذلك يجري البناء في المساحات الزراعية والخضراء بمخالفة واضحة للقانون"، مشيراً إلى أنّ "الرشوة ساهمت كذلك في تسهيل الحصول على رخص بناء لقاء مبالغ يدفعها المستفيدون".

ويُعَدّ العامل الاقتصادي أبرز عوامل تزايد البناء العشوائي في اليمن، إذ تسجّل الأراضي الواقعة في مناطق مخططة ارتفاعاً خيالياً في أسعارها مقارنةً بالأراضي في المناطق غير المخططة، مع العلم أنّ الأخيرة تشهد طلباً متزايداً عليها مع حركة بناء أكثر نشاطاً.

في سياق متصل، يحذّر المهندس المدني عبد الكريم المليكي، في حديث إلى "العربي الجديد"، من أنّ "البناء العشوائي في اليمن يمثّل خطراً عمرانياً على البلاد، إذ يزداد في المدن اليمنية بطريقة مقلقة"، ويعود ذلك إلى "خلل وضعف في الرقابة الحكومية، وانفلات أمني من جرّاء الحرب، بالإضافة إلى النزوح الداخلي، وارتفاع أسعار الأراضي في المخططات الرسمية، وغياب معايير التخطيط الحضري في بعض مخططات وحدات الجوار". ويبيّن المليكي أنّ "كثيرين يجدون أنفسهم مضطرّين إلى البناء من خارج المخططات المرسومة، فتتشكّل أحياء تعاني مشكلات في الازدحام والصرف الصحي إلى جانب افتقارها إلى أبسط مقوّمات العيش المنظم".

ويوضح المهندس المدني أنّ "مخاطر البناء العشوائي عديدة، أبرزها تشويه جمال المدن وإنشاء أحياء مزدحمة. كذلك تؤدّي العشوائيات إلى اختناقات مرورية حادة، بسبب غياب التخطيط السليم لشبكات الطرقات، وعدم توزيع المباني الحكومية والتجارية بطريقة متوازنة تضمن عدم تشكّل بؤر ازدحام". ويتابع أنّ "الأضرار لا تتوقّف عند هذا الحد، إذ ينعكس الضغط المتزايد على الخدمات وسوء البيئة السكنية في تلك الأحياء على الصحة النفسية للسكان، ويؤدّي إلى ارتفاع في حدّة القلق والتوتّر، ويُسجَّل تزايد في معدّلات الجريمة في الحارات والأحياء الشعبية حيث البناء عشوائي". ويرى المليكي أنّ "مواجهة البناء العشوائي تتطلّب تحرّكاً حكومياً جدياً، عبر تفعيل القوانين وتوجيه الجهات المختصة بوضع مخططات عمرانية مرنة تستوعب النموّ السكاني المتسارع، إلى جانب توفير أراضٍ ميسرة القيمة للبناء المنظّم، وكذلك فرض عقوبات صارمة لكلّ المخالفات، وتنفيذ حملات توعية بأهمية الالتزام بالتخطيط الحضري السليم حفاظاً على مستقبل سكان المدن وراحتهم".