آخر تحديث :الأحد-21 سبتمبر 2025-11:35م
أدب وثقافة

قصة : حياة اليهود في يافع .. اليزيدي

الجمعة - 07 أبريل 2017 - 03:34 م بتوقيت عدن
قصة : حياة اليهود في يافع ..  اليزيدي
(عدن الغد) خاص :

ذكريات يرويها الأستاذ/ منصور محمد العطوي

 

إعداد/نائف زين ناصر وأحمد يسلم صالح

 

 

عاش اليهود في مدن وقرى مختلفة في اليمن ، وفي منطقة اليزيدي عاشت مجموعة من الأسر اليهودية وكان المواطن العربي المسلم يعامل جاره اليهودي معاملة الجار باحترام بصرف النظر عن اختلاف المعتقد .. وكانت النظرة هي العلاقة الإنسانية يزور بعضهم البعض في الأفراح والمواساة في المرض أو عند الوفاة يتبادلون المنافع فيما بينهم في البيع والشراء  ولا يستطيع زائر المنطقة أن يميز بين اليهودي والعربي وهم جالسين يتبادلون أطراف الحديث .. إلّا عندما يلاحظ خصال الشعر تتدلى على وجنتي اليهودي.

 

ولليهودي حقوق مثل جارة العربي وعليه نفس الواجبات غير إن اليهودي يدفع الجزية المفروضة شرعاً عليه لبيت مال المسلمين كي يؤدي طقوسه الدينية بحرية في أر ض المسلمين ويشتغل معظمهم في صياغة الفضة والتجارة وقليلون في البناء والزراعة ، وتجد بعضهم يجوب في مختلف مناطق اليمن متنقلاً وحاملاً زمالة كبيرة من جلد البقر مملوءة بإبر الخياطة والمخايط وكحل العيون وحُسن زينة النساء ومواد كلها ثقيلةيحملها ويستبدل مقابلها قشر الرصاص وهي مادة من النحاس ويعود بحملاً ثقيلاً حافي القدمين من حيث أتى ونتيجة لقلة عددهم واختلاف ديانتهم بين العرب بمنطقة اليزيدي كانت الأعراف القبلية تجرم الاعتداء على اليهودي لأنه في نظرهم "ذميّ" ضعيف وغير مسنود حتى وإن حدث منه خطأ على المواطن العربي فلن تجد ردة فعل من العربي ضدة كما لو إن ذلك الخطأ حدث من أمراءه أرملة عجوز.

 

وفي اليزيدي سكن وعاش اليهود منذُ القدم تزاوجوا وتناسلوا فيما بينهم رغم أن أكثر السكان عرب مسلمين وكانت لهم مزارع تزرع شجرة البن .. وحكى لي الحاج / صالح عبد الله بن عسكر من سكان شعب العرمي المجاورلشُعب اليهود بأن والده اشترى أرض زراعية من يهودي في ذي جليت رغم أنه من سكان شُعب العرمي المجاور ويقال إن لهم معبد في ذي جليت وما زالت آثاره باقية حتى وقتنا الحاضر (والله أعلم) رغم أنني زرت شُعب اليهود عام 1975م ضمن فريق مصريين لإلقاء محاضرات وعرض أفلام زراعية في سوق المنصورة المجاور ، وبعد وصولنا سوق المنصورة ذهبت إلى أسفل شُعب اليهود منادياً الأهالي بواسطة ميكرفونات سيارة السينما بالحضور إلى سوق المنصورة  للاستماع للمحاضرات ومشاهدة الأفلام الزراعية وشاهدت بعض المنازل ومسجد ومنارته العالية فوق مرتفع في مدخل الشُعب ولم اتمكن من الدخول في عمق الوادي لمشاهدة آثار المعبد كم يُقال.

 

وبعد الحرب العالمية الثانية وصدور قرار وعد بلفور بإيجاد وطن قومي لليهود في الأراضي الفلسطينية بعد خروج الاستعمار البريطاني من فلسطين وتكفلت الحكومة البريطانية من لملمة شتات اليهود من جميع مختلف مناطق العالم المختلفة ومنها (اثيوبيا) في رحلات طيران عبر السودان وأطلق عليها "رحلات بساط الريح الشهيرة".

 

وفي اليمن رحل اليهود من صعدة وعمران وصنعاء ومن مختلف مناطق اليمن سيراً على الأقدام الحافية عبر الجبال والوديان حاملين ما خف وزنه وغلي ثمنه من متاع على ظهورهم في زمائل "زمالة" كبيرة من جلد البقر والبعض يحملون أطفالهم الصغار على أكتافهم من المناطق المختلفة إلى مستعمرة عدن التي تتولى جمعهم ثم ترحيلهم جواً إلى فلسطين تنفيذاً لوعد بلفور.

واتذكّر وأنا في سن مبكرة من العمر مرت مجموعة صغيرة من اليهود في منطقة سرار في طريقها إلى عدن وكان التعب والإرهاق عليهم ظاهراً من السفر الطويل والحمِل الثقيل واستقر بهم المقام في منطقة العلاه لأخذ قسط من الراحة لفترة قصيرة من الزمن وفتحت سقيفة (ديمة) لهم للمبيت داخلها وقدم الأهالي لهم الماء والغذاء والفراش الدافئ ولما شعروا بعطف المواطنين عليهم طاب لهم المقام لفترة من الزمن واشتغلوا خلال مكوثهم بصياغة الفضة نذكر منها:-

 

1)رفوف وخُطْر الرقبة(2) مقاطي الآذان (3) حجل الساق (4) شبكة فضة على الرأس (5) مداور أصابع أيدي وأرجل النساء، وأصابع الرجل الذي كان يقدمه الشاب عربون لخطيبتهللزواج (6) حروف الجنابي قبل استعمال الذهب (7) وأغلى صناعتهم حزام الفضة للعرائس .. وكانوا يغلقون باب السقيفة صباح كل سبت من الأسبوع للتعبّد وبعد فترة من الزمن علموا برحيل معظم يهود اليمن من عدن ثم شدّوا رحالهم من سرار عبر حطاط وأبين إلى عدن ومنها رحلوا ضمن آخر  الأفواج من عدن إلى فلسطين.

 وبعد استقلال الجنوب عن بريطانيا تشكلت لجان شعبية في جميع مناطق الجنوب ومنها مديرية القارة برئاسة الشهيد 1) حسين محمد حسين اليزيدي وهو من مواليد ذي جليت بشُعب اليهود (2) يسلم عبد الله ناصر (3) حنش عبد الله السعيدي الكلدي "يرحمهم الله جمعياً" كُلفوا من قبل القيادة بالمديرية بالنزول إلى جميع مراكز القارة كي يحثّوا المواطنين على التعاون والمشاركة في المبادرات الجماهيرية والعمل في شق الطرقات وبناء الصفوف الدراسية الأولية لتعليم أبنائهم ونبذ الفرقة وحل النزاعات إن وجدت بين المواطنين ، وشكلت لجان فرعية في جميع المراكز ودعت اللجنة العليا إلى إقامة احتفال جماهيري كبير في شُعب اليهود حدد موعده قبل أسبوع من إقامته وفي اليوم المحدد للحفل أقيم المهرجان حضره عدد كبير من مناطق القارة في شُعب اليهود وأقاموا البرع والزوامل على دقات المرافع والطبول وأطلقت الأعيرة النارية في الهواء فرحاً وابتهاجاً والقيت القصائد الحماسية والزوامل الشعبية وفي نهاية الاحتفال القاء الشهيد / حسين محمد حسين كلمة اختتام المهرجان على تغيير أسم شُعب اليهود  إلى اسم شُعب العرب لأن جميع السكان عرب اعتباراً من ذلك التاريخ وصفق الحاضرون طويلاً فرحاً بذلك القرار التاريخي وتبرع السكان بمبلغ (140)  مائة وأربعون الف شلن ومن شدة الحماس تبرع مواطن بجمله الذي كان المصدر الوحيد لرزق أسرته وسلم المبلغ للأخ / سيف سالم محسن (أبو فارس) خصص مصاريف للقوات الشعبية التي تعمل طواعية بدون مقابل ومصاريف لمن قدم إلى القارة في مهمة رسمية وكاتب السطور كان أحدهم في مجال التعليم في ذلك الوقت من عام 1968م وقد سهل مهمة عملي وكان رحيماً تجاه أسر السلاطين الذين هربوا بجلودهم وبقيت أسرهم في حالة يرثى لها وكان يساعدهم ببعض المواد الغذائية ولحقه الأذى من بعض الرفاق وكان رده عليهم إن الثورة جاءت من أجل تحقيق العدالة وليس من أجل الظلم والانتقام "رحمهم الله جميعاً" ويغفر لنا ولهم.

 

وحصل خلاف بعد فترة من احتفال شعب العرب بين شخصين وحضر الأول شاكياً غريمه الثاني وحرر له المسئول عن حل الخلافات أمراً يلزم الأخير الحضور حسب الموعد المحدد في الخطاب وكان الأمر موجه إلى شُعب اليهود سلم الأمر له ورفض الحضور وعاد الشاكي إلى القارة يوم الموعد المحدد ولم يحضر غريمه وحرر أمراً آخر يلزمه بالحضور للمرة الثانية ولم يحضر كذلك .. واشتد المسئول غضباً وأرسل فرقة من القوات الشعبية لإحضاره بالقوة حياً أو ميتاً وعند محاصرة منزله من كل الجهات ومناداته بالميكرفون بتسليم نفسه وإلّا يتحمل العواقب .. خلع ملابسه وطلع بفوطة إلى الجُباء قائلاً : أيها الرفاق لقد أقمتم احتفالاً كبيراً وغيرتم أسم شُعب اليهود إلى أسم شُعب العرب ودفعنا لكم غذائكم وفي الأخير تخالفون قراراتكم فلن أذهب معكم إلّا بعد أن تصححوا أوامر خطاباتكم وتقدموا اعتذاراً لسكان شُعب العرب ، وبردّه هذا أحرجهم وأطلقوا الرصاص عند منزله اعتذاراً له ولسكان شُعب العرب .. عادو إلى القارة وأُرسِل له الأمر الأخير وتم تغيير العنوان إلى شُعب العرب وحضر برفقة الشاكي وحُلِت المشكلة بينهما.