آخر تحديث :الأحد-21 ديسمبر 2025-03:38م

قرار الفصل أمام حزب تعلم الصمود

الأحد - 21 ديسمبر 2025 - الساعة 11:31 ص
مصطفى المخلافي

بقلم: مصطفى المخلافي
- ارشيف الكاتب


مصطفى المخلافي


في البداية يبدو أنني أكتب عن حدث، أو عن محاولة لتغيير مسار حزب، لكن الحقيقة أكبر من ذلك، ثمة فكرة تصطدم بالعبث، وثمة تنظيم يصمد أمام كل المحاولات البائسة لإقصائه، وهذا ربما ما قادني للكتابة حول اعتقال وفصل الأمين العام وحقيقة صمود حزب المؤتمر الشعبي العام، غازي الأحول يمكن اعتقاله كما يُعتقل أي جسد، ويمكن فصله بقرار إداري، لكن ما لا يمكن فعله مهما بالغوا في الغلظة هو اعتقال الفكرة التي يمثلها، أو فصل المعنى الذي يحمله عن السياق الذي أنتجه، فالاعتقال كما قال أحد الفلاسفة، دليلاً على الارتباك، فالسلطة لا تخشى الأجساد بقدر ما تخشى العقول، والرأي الذي لا يُقلق لا يُقمع، والكلمة التي لا تُعتقل لم تصل بعد إلى النقطة التي توجع، وأظن بأن الأمين العام قد أوجع وأوغل في وجع الميليشيا.



وما أقدمت عليه ميليشيا الحوثي الإرهابية باعتقال الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام غازي الأحول، ثم فصله من منصبه، لا يخرج عن هذا السياق، محاولة فجة لإدارة حزب عريق بعقلية المشرف الأمني، والسيطرة عليه كما تُسيطر على نقطة أمنية، أو كما تُختطف مؤسسة ثم يُغير قفل بابها، لقد وضعوا الحزب في يد من هو أقل إدراكاً في القائمة السياسية لمعنى التنظيم، وهذا أخطر ما في الصراع الغير متكافئ، أن يُقرر جرو التهام أسد جريح دون التفكير لعواقب حماقته.



وبدلاً من أن يتعاملوا مع حزب المؤتمر الشعبي العام بوصفه كتلة سياسية لها تاريخ وتركيبة وقواعد، قرروا اختزاله في شخص، ثم التعامل معه بوصفه عبئاً يجب إزاحته، وكأن قرار الفصل والإزاحة كفيل بمحو ذاكرة حزب صاغته المحن والتجارب.


لذا إن توقيع قرار فصل الأمين العام ومحاولة تصوير الحزب كظل لسياسات الميليشيا، ذلك ما يمكن لهذه الجماعة القيام به على الوجه الأكمل، أما احترام حزب ولوائحه، وفهم توازناته، واستيعاب رمزيته، والإحساس العالي بالتوقيت، فذلك ضرب من العبث، والاستخفاف، وسوء التقدير.


إن حزب المؤتمر الشعبي العام، وقياداته الشريفة، يرفضون قرار فصل الأمين العام غازي الأحول، لأن القرار باطل في شكله، وعدواني في مضمونه، ويمثل محاولة مكشوفة لاختطاف الحزب ومصادرة قراره، وتمرير مشروع لا يشبهه ولا يمت إلى مبادئه ولا إلى لوائحه الداخلية بصلة.


ولذلك فإن قيادات وقواعد حزب المؤتمر الشعبي العام لا يعنيهم من هذا القرار شيء، لأنه في جوهره لا يتجاوز كونه بيان صادر عن ميليشيا، خاصة أنه لا يملك شرعية التنظيم، أو سلطة القرار، ولا حتى حق الوصاية على حزب صاغ تاريخه بدم قادته وصبر قواعده، وإن كان ثمة ما يستحق التوقف عنده في هذه اللحظة، هو ذلك الثبات الهادئ لقيادات المؤتمر وقواعده، ليقينهم بأن ما يبقى في النهاية سوى الموقف الصادقة،


يقال إن الميليشيا لا تثق إلا بمن يُذعن، ولا تطمئن إلا لمن يتحول إلى ملحق، وحزب المؤتمر الشعبي العام، بكل ما له وما عليه، لم يُخلق ليكون ملحقاً، ولا ليُدار بعقلية القفز عليه وعلى مبادئه وقيمه وهذا ما اثبتته الأيام والسنين والمواقف.


ثمة من يتعامل مع حزب المؤتمر الشعبي العام وكأنه ولد بالأمس، أو كأنه كيان هش يمكن كسره بقرار فصل أو باعتقال أمين عام، وهذا في حد ذاته جهل بالتاريخ، وسوء قراءة للوقائع، وإنكار لدور لم يكن ظاهراً دائماً، لكنه كان حاسماً في لحظات الانهيار.


في بداية فوضى فبراير، حين كانت الدولة تتآكل من الداخل، وحين كانت المؤسسات تتساقط واحدة تلو الأخرى، كان حزب المؤتمر الشعبي العام هو اليد الخفية التي أبقت الدولة واقفة على قدميها، إدراكاً منه أن سقوط الدولة لا يملؤه إلا الخراب، ثم ماذا؟ صمد الحزب يومها أمام العواصف، وامتص الصدمات، ووازن بين الممكن والمخاطر، في لحظة كان فيها كثيرون يزايدون من خارج النار. ثم جاءت المؤامرات، وتوالت الضربات، ولم يكن الحزب في مأمن منها، أُستهدفت قياداته في جمعة رجب، وسالت الدماء في مشهد أرادوا له أن يكون رسالة كسر، فكان الموقف الجلل على قسوته درس إضافي في الصبر السياسي، وفي أن التنظيمات العريقة لا تنهار بالصدمة الأولى.


ثم جاءت الفاجعة الكبرى، باستشهاد مؤسس الحزب الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، ورفيق دربه الأمين عارف الزوكا، في محاولة نهائية لاجتثاث الفكرة من جذورها، قيل يومها إن المؤتمر انتهى، وإن الرأس قُطع، وإن الجسد سيتحلل تلقائياً، لكنهم مرة أخرى أخطأوا التقدير، فالحزب الذي صمد بعد فبراير، وصمد بعد جمعة رجب، وصمد بعد استشهاد مؤسسه وقيادته، لن تكون هذه الظروف عليه أصعب من سابقاتها، ولن يكون اعتقال الأمين العام ولا قرار فصله هي اللحظة التي ينكسر فيها، ولذا إن من يراهن اليوم على إنهاك حزب المؤتمر الشعبي العام عبر الاختطاف والإقصاء وإدارة التنظيم بعقلية القوة، يكرر أخطاء من سبقوه، ويعيد إنتاج الوهم ذاته الذي يقول، أن الأحزاب تُقاس بالأفراد، وأن التاريخ يمكن شطبه ببيان من سجان وكاهن يجهل التاريخ.


ولذلك نقول دائماً بأن الحزب سيصمد اليوم، وبعد اليوم، لأنه تعلم كيف يعيش داخل العاصفة، وكيف يميز بين التنازل التكتيكي والانتحار السياسي، وكيف يحتفظ بخيط المعنى حتى في أكثر اللحظات ظلمة، وهذه وقائع، وقائع تقول إن من لم يسقط في تلك اللحظات الثقيلة، لن يسقط الآن، مهما بدا المشهد مرتبكاً، ومهما توهم المرجفون أن اعتقال العقل كاعتقال الجسد.


حين كنت يافعاً أتذكر كيف كان اسم المؤتمر الشعبي العام يُستدعى في لحظات الجد، وكأنه ميزان الدولة الأخير، لا ينكسر تحت الضغط، ولا يُستدعى إلا حين تضيق الخيارات، أما اليوم فمحاولة إعادة تشكيله بالقوة تشبه محاولة تعليم الجغرافيا لمن لا يرى إلا النقطة التي يقف عليها.


ولذا قرار فصل غازي الأحول، دليل على أن الفكرة ما زالت حية، وفصله بقرار ميليشياوي لن يحول حزب كامل إلى ظل، بقدر ما سيكشف مرة أخرى أن هذه الميليشيا لا تجيد إلا إدارة الشكل، أما المضمون سيظل مزعجاً وقابلاً للاشتعال، فهذه أمور العبث بها في هذا التوقيت ليس سوى مقامرة خاسرة مع التاريخ.