آخر تحديث :السبت-20 ديسمبر 2025-10:18م

كفى خدمة للحوثي .. جهود السعودية طريق النجاة لليمن

السبت - 20 ديسمبر 2025 - الساعة 07:48 م
احمد الشميري

بقلم: احمد الشميري
- ارشيف الكاتب


في وقت تتعقّد فيه التحديات السياسية والأمنية في اليمن، تبرز الجهود السعودية، ليس في حضرموت وحدها بل في اليمن عمومًا، بوصفها عامل اتزان محوري يعكس الالتزام السعودي الثابت بدعم الشرعية اليمنية، والحفاظ على وحدة الصف الوطني، ومنع الانزلاق نحو صراعات داخلية تُضعف الجبهة المناهضة للانقلاب الحوثي.

إن وصول وفد سعودي برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، وشروعه فورًا في تحركات ميدانية وسياسية أسفرت عن تفاهمات واتفاقيات، يعكس رؤية سعودية واضحة تجاه الملف اليمني، تهدف إلى تعزيز الاستقرار، وترسيخ الأمن، ومعالجة الاختلالات القائمة داخل مؤسسات الشرعية، بعيدًا عن منطق الإملاءات أو فرض الأمر الواقع.

هذا الحضور السعودي المسؤول لم يأتِ من فراغ، بل يستند إلى ثقة يمنية واسعة بالقيادة السعودية ومواقفها الأخوية، وسجلها الطويل في الدعم السياسي والعسكري والإنساني، واحتضانها ملايين اليمنيين. ولم تكن هذه الثقة وليدة الخطاب وحده، بل نتاج مواقف عملية أثبتت أن المملكة لا تبحث عن نفوذ عابر، بل عن يمن مستقر، موحد، وقادر على إدارة شؤونه بنفسه.

وما يميّز الدور السعودي في اليمن عمومًا، وفي حضرموت خصوصًا، أنه يقوم على ثقة شعبية ترسخت عبر سنوات أثبتت فيها المملكة أنها تقف بكل ثقلها إلى جانب الدولة اليمنية ومؤسساتها الشرعية، حتى في أحلك الظروف. وإذا عدنا إلى التاريخ القريب، وتحديدًا إلى أزمة عام 2011، نجد كيف وظفت السعودية ودول الخليج دبلوماسيتها لمنع انزلاق اليمن إلى صراعات دامية، وقدّمت دعمًا نفطيًا وماليًا للحكومات اليمنية المتعاقبة آنذاك. ثم جاء الموقف التاريخي بتشكيل تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة، وهو قرار لم تقدم عليه أي دولة أخرى لنصرة أشقائها، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، لتنتقل العلاقة من الشراكة والجوار إلى أخوّة معمدة باختلاط الدم في معركة الشرف والكرامة.

قد يتساءل البعض عن مصلحة السعودية في اليمن، وهي تعمل كمنظومة متكاملة لصالح شعب حوّلت قوى داخلية وخارجية بلاده إلى ساحة صراعات تخدم أجندات لا تمت للمصلحة الوطنية بصلة؟! وهنا، ومن موقع صحفي ومراقب للعلاقات السعودية اليمنية لأكثر من ثلاثة عقود، يمكن القول بوضوح: إن السعودية لا تنظر إلى اليمن كدولة تنتهي أهميتها عند إغلاق الحدود، كما تفعل دول أخرى، بل تراه امتدادًا جغرافيًا وقبليًا وإنسانيًا وأخويًا. ولهذا رفضت منذ اللحظة الأولى لبروز الحوثي في صعدة الدعوات التي طالبتها بترك اليمن لمصيره، مؤكدة أن اليمن بالنسبة لها يجب أن يكون "حديقة خلفية خضراء لا ساحة حمراء" تفتك بإخوانها.

لم تعمل السعودية عبر جهات محدودة لمساعدة اليمن، بل كمنظومة متكاملة: عسكريًا، ودبلوماسيًا، وسياسيًا، وقبليًا، وشعبيًا، وتنمويًا، وإغاثيًا، واقتصاديًا، وتعليميًا. وقدّمت ما يقارب 30 مليار دولار، ولا تزال تواصل الدعم، وضحّت بأرواح أبنائها من أجل حماية الإنسان اليمني.

وبلغت تمويلات مركز الملك سلمان للإغاثة وحده نحو 4,680,896,904 دولارات، فضلًا عن الدعم النقدي ودعم الميزانية الذي يصعب حصره. كما نجح مشروع «مسام» السعودي في نزع أكثر من نصف مليون لغم من الأراضي اليمنية، وإلى جانب العمل الإغاثي، يواصل البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن تنفيذ مشاريع تنموية كبرى، من بينها مستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن، ومدينة الملك سلمان الطبية في المهرة، وكلية الطب في تعز، ومشاريع في جامعتي عدن وحضرموت، وطريق العبر، ومطار عدن، وغيرها، ليصل عدد المشاريع إلى أكثر من 265 مشروعًا.

وفي ظل هذا الدعم السعودي الأخوي المباشر، فإن أي انقسامات داخل معسكر الشرعية ستترك تداعيات خطيرة لا تقتصر على اليمن وحده، بل تمتد إلى أمن واستقرار المنطقة بأكملها، خصوصًا في ظل المساعي الجادة التي تقودها المملكة لإنهاء الانقلاب وعودة الدولة إلى صنعاء وبقية المحافظات التي لا تزال ترزح تحت سيطرة الحوثي، وهي مساعٍ تحظى بتأييد واسع من الشعب اليمني، كونها تصب في المصلحة الوطنية العليا، وتُنهي سيطرة مليشيا إرهابية سيكون مصيرها، عاجلًا أم آجلًا، كمصير التنظيمات التي خانت شعوبها وعملت لصالح أجندات خارجية.

إن حضرموت تُعد عمقًا جغرافيًا واقتصاديًا بالغ الأهمية لليمن والمنطقة، وأي اضطراب فيها سينعكس سلبًا على المشهد الوطني برمّته، وعلى المساعي الحميدة التي تقودها السعودية ومن هنا، فإن محاولات المجلس الانتقالي فرض إجراءات أحادية تتعارض مع أهداف تحالف دعم الشرعية تشكّل تهديدًا مباشرًا لتماسك المؤسسات الرسمية ووحدة القرار العسكري والأمني اليمني والإقليمي.


إن الحقيقة التي ينبغي أن يدركها الجميع، شمالًا وجنوبًا، أن المساعي الأحادية التي يحاول المجلس الانتقالي الجنوبي فرضها خارج إطار التوافق الوطني لا تخدم إلا مشاريع الفوضى، وتمنح مليشيا الحوثي فرصة ثمينة لاستثمار الانقسامات، كما فعلت منذ بروزها عام 2003. ومن هنا، تأتي الجهود السعودية بوصفها صمام أمان لاحتواء الخلافات، ومنع تفجير الصراعات داخل بيت الشرعية، عبر الحوار، وضبط الإيقاع السياسي والعسكري، والتمسك بالمرجعيات المتفق عليها.

ولا أُخفيكم أنني، قبل اقتحام صنعاء، كنت أتحاور مع زملاء من أبناء المحافظات الجنوبية، وكانوا يرون أن الحوثي يطمح للسيطرة على صنعاء وحدها، حينها أكدت لهم أن مشروع الحوثي لا يتوقف عند العاصمة، بل يستهدف عدن وحضرموت واليمن بأكمله، ساعيًا لتحويل البلاد إلى ساحة دمار دائم، لكن تلك التحذيرات قوبلت بالإصرار على قراءة قاصرة للمشهد.

واليوم، يعود الخطاب ذاته إلى الواجهة، رغم أن الوقائع أثبتت أن عدن كانت ولا تزال هدفًا مباشرًا للحوثي، وهو ما نرفضه نحن أبناء الشمال قبل غيرنا، وقد كانت تعز في حرب عدن مثالًا حيًا على وحدة المصير، حين قاتلت دفاعًا عن عدن، واستهدفت القوافل الحوثية المتجهة إليها.

وسنبقى ثابتين في الدفاع عن عدن، لأنها ليست مدينة جنوبية فحسب، بل رمز لوحدة اليمن، وعلى إخواننا في المجلس الانتقالي أن يدركوا خطورة المرحلة، وأن يعودوا إلى منطق العقل والشراكة الوطنية.

أما القضية الجنوبية، فهي اليوم ليست قضية هامشية، بل ركيزة أساسية لأي عملية سياسية، وجزء أصيل من المرحلة الانتقالية. وأي محاولات لتجاوز هذه المرحلة أو إثارة الفوضى لا تضر إلا بعدالة القضية الجنوبية نفسها، وتعمل على إفشال التوافق الوطني الذي يضمن لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية حقهم في التنمية، واستثمار الموارد لصالح مناطقهم وبنيتهم التحتية، بما ينعكس إيجابًا على أوضاعهم المعيشية.

وعليه، تركز التحركات السعودية في حضرموت على إعادة تنظيم المشهد الأمني، ودعم المؤسسات الرسمية، وتوحيد الجهود العسكرية تحت مظلة الدولة، بما يضمن فرض النظام وسيادة القانون، وإنهاء مظاهر الانفلات والازدواجية، ومعالجة جذور الخلافات، إدراكًا منها أن الاستقرار الدائم لا يتحقق إلا بتوافق وطني شامل.


وتتعامل المملكة مع الملف اليمني بوصفها شريكًا في استعادة الدولة، لا وسيطًا عابرًا، وتدرك أن أي إضعاف للشرعية يصب في مصلحة المشروع الخبيث وأدواته. ولذلك، تحمل تحركات الوفد السعودي بقيادة اللواء الدكتور محمد القحطاني رسالة واضحة: لا مكان للإجراءات الأحادية، ولا بديل عن الدولة، ولا حل إلا بتماسك الصف الوطني.

وخلاصة القول، إن الجهود السعودية في حضرموت تمثل ركيزة أساسية لإعادة الاستقرار، وفرض الأمن، وحماية الشرعية من الانقسام، وإفشال أي محاولات لفرض واقع يتناقض مع أهداف التحالف وتطلعات الشعب اليمني، وهي جهود تعكس التزامًا استراتيجيًا ثابتًا بيمن آمن، موحد، ومستقر، قريب من استعادة دولته ومؤسساته كاملة السيادة، وبعيد عن الفوضى ومشاريع التفتيت.