آخر تحديث :الجمعة-19 ديسمبر 2025-03:08م

شيوخ السلطان: الوجه الآخر للطغيان.

الأحد - 14 ديسمبر 2025 - الساعة 04:29 م
منصور بلعيدي

بقلم: منصور بلعيدي
- ارشيف الكاتب


في لحظات الانكسار التاريخي، حين تتكالب الأنظمة على الشعوب، وتُخنق الحريات، وتُصادر الكرامات، يبرز سؤال جوهري: كيف يُستغل الدين لتبرير الظلم؟

وكيف يتحول الخطاب الديني من منارة للحق إلى أداة في يد الطغاة؟

فيصبح الإيمان مطية للطغيان.


يقول الفيلسوف الأندلسي ابن رشد: _"إذا رأيت الخطيب يحث الفقراء على الزهد دون الحديث عن سارقيهم، فاعلم أنه لص بملابس واعظ."

بهذه العبارة القاطعة، يكشف ابن رشد عن آلية خطيرة: تحول الدين إلى أداة تخدير، لا تحرير.

فبدل أن يكون منبر المسجد صوتًا للحق، يصبح غطاءً للباطل، حين يُطلب من الفقير الصبر، بينما يُعفى الظالم من الحساب.


اما كارل ماركس رغم اختلافه الجذري مع الفكر الديني، فقد لامس جوهر المأساة حين قال: "الطاغية مهمته أن يجعلك فقيرًا، وشيخ الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائبًا."

إنها شراكة غير مقدسة بين السلطان والشيخ، حيث يُنتج الأول القهر، ويُنتج الثاني التبرير. وهكذا يُصنع الاستبداد المزدوج: قهر الجسد، وتخدير العقل.


*لوبان: التدين بلا ضمير*


أما جوستاف لوبان، فيحذر من ظاهرة أخلاقية خطيرة قائلاً : "الشعوب المتدينة لا تشعر بتأنيب الضمير عندما ترتكب خطأً أخلاقيًا أو قانونيًا، لأنها نشأت على مفهوم أن العبادات تمحو الذنوب."

حين يُختزل الدين في طقوس شكلية، وتُفصل العبادة عن الأخلاق، يصبح التدين غطاءً للفساد، لا رادعًا له ، فيصير ديناً بلا ضمير.


في المجتمعات المتخلفة، حيث ينتشر الجهل وتُقمع الأسئلة، يبرز نوع من "العلماء" الذين لا يصدحون بالحق، بل يبررون الباطل ، يلبسون لباس الشرع، لكنهم يفتون بما يرضي الحاكم، لا بما يرضي الله.


هؤلاء."أشد خطرًا على الدين من الحكام الظلمة أنفسهم، لأنهم يلبسون الاستعباد لباس الطاعة، ويجعلون الناس يظنون أنهم يعبدون الله وهم في الحقيقة يعبدون الطغاة."


الدين في جوهره دعوة للحرية والكرامة والعدل ، لكن حين يُختطف من قبل شيوخ الطغاة، ويتحول إلى أداة تبرير، والى حارساً للطغاة بدلاً من ردعهم يصبح خطرًا على المجتمعات، لا خلاصًا لها.

إن مسؤولية العلماء الحقيقيين اليوم أن يعيدوا للدين روحه، وأن يحرروه من قبضة الاستبداد، ليعود كما بدأ: نورًا يهدي لا قيدًا يُقيّد.