آخر تحديث :الخميس-11 ديسمبر 2025-07:17م

حضرموت... الحسم الحكيم

الخميس - 04 ديسمبر 2025 - الساعة 09:29 ص
عبدالناصر صالح ثابت

بقلم: عبدالناصر صالح ثابت
- ارشيف الكاتب


في حضرموت، لم تعد اللحظة تحتمل مزيدًا من التردّد أو المجاملة السياسية. فهذه المحافظة، التي تُعدّ إحدى أهم ركائز

الجنوب أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، تقف اليوم أمام مفترق طرق يتطلّب من المجلس الانتقالي الجنوبي ومن مختلف

القوى الوطنية الجنوبية أن يتعاملوا معه بوعيٍ استراتيجي ومسؤولية تاريخية. فحضرموت ليست مجرد ساحة نفوذ، بل

هي معيار لنجاح مشروع الدولة الجنوبية الذي يطمح إليه الناس منذ سنوات.

ما يجري في حضرموت ليس صراعًا عابرًا، بل امتحانٌ حقيقي لقدرة القيادة الجنوبية على إدارة التوازنات المعقّدة دون

التفريط بثوابت القضية أو تجاهل حساسية الواقع المحلي. وهنا يتجلّى معنى الحسم الحكيم: حسمٌ يعيد الأمور إلى

نصابها دون أن يفقد الجنوب تماسكه الداخلي أو ثقته بقضيته.

إن الحسم الحكيم الذي ينتظره الحضرمي والجنوبي على حدّ سواء ليس خطوة ارتجالية ولا إجراءً فوقيًّا، بل مسار يبدأ

من فهم المشهد بكل تفاصيله: الخصوصية التاريخية للمحافظة، تركيبتها الاجتماعية، حساسيتها تجاه أي صراع يُفرض

عليها من الخارج، وطموح أبنائها في أن يكونوا جزءًا فاعلًا من القرار الجنوبي لا رقمًا هامشيًا فيه. كل ذلك يفرض

على القوى الوطنية أن تتقدّم بحسابات دقيقة، لا باستقطابات انفعالية.

ويُحسب للمجلس الانتقالي الجنوبي النَّفَس الطويل في إدارة الأزمات خلال الفترة الماضية، وهو نجاح يعكس قدرته

على التعامل مع المطبات السياسية مستفيدًا من أخطاء الماضي ومن تراكم الخبرات في أزمات مشابهة شهدتها عدن

وأبين وشبوة. ونحن واثقون من أنه درس كل الخطوات قبل التقدّم لحسم الإشكالات في الهضبة وكذلك في الوادي.

ومن الضروري تجنّب أي صدام جنوبي–جنوبي، سواء مع عمرو بن حبريش أو في الوادي؛ فهناك قادة وضباط

وجنود ومواطنون جنوبيون وجدوا أنفسهم في واجهة هذه الصراعات، وقد استُخدموا من قِبَل الخصوم لتعقيد المشهد

وجرّ الجنوبيين إلى احتراب داخلي يخدم مصالحهم.

حضرموت تمتلك وعيها واتزانها لتجاوز أي اختبار، لكنها بحاجة إلى شراكة صادقة وآذانٍ صاغية تستمع إليها قبل أن

تُقرّر نيابةً عنها. فالحسم الحكيم يبدأ من احترام إرادة الناس، ومن بناء نموذج إدارة رشيد يستوعب كل المكونات

ويقطع الطريق أمام أي محاولة لخلط الأوراق أو اختطاف القرار.

إن نجاح الانتقالي والقوى الوطنية في هذه اللحظة الحاسمة لا يمثّل مجرد موقف سياسي، بل شهادة على قدرة الجنوبيين

على صناعة القرار الرشيد. والحسم المطلوب ليس انتصار طرف على آخر، بل انتصار حضرموت والجنوب معًا على

الفوضى وعلى كل مشروع يحاول استغلال تبايُن الرؤى لإضعاف الصف.

ختامًا، يبقى الحسم الحكيم الطريق المؤهّل لبناء جنوب آمن ومستقر وواثق بنفسه؛ حسمٌ يضع حضرموت في مكانها

الطبيعي في قلب الجنوب، وحسمًا سياسيًا قبل أن يكون عسكريًا. أمّا الحكمة، فتبقى الضمانة لتحويل هذا الحسم من

إجراء طارئ إلى تأسيس دائم للدولة الجنوبية المنشودة.