آخر تحديث :الإثنين-01 ديسمبر 2025-04:15م

على ذكرى 30 نوفمبر.. عدنيات ثائرات زهرة هبة الله علي

الإثنين - 01 ديسمبر 2025 - الساعة 10:42 ص
سعاد العلس

بقلم: سعاد العلس
- ارشيف الكاتب


زهرة هبة الله، قيادية من الدرجة الأولى تشي ملامحها الجادة بأنك بمواجهة شخصية وطنية غير اعتيادية تحمل على عاتقها عبء فعل جسيم هو خلق قيادة نسائية متسلّحة بالمعرفة والشجاعة عندما تكون الشخصية المُشتغلة عليها قد رحلت عن دنيانا تتوسّط المسافة بيني وبينها ذاكرة ثالثة تلتقط ما تمكُن ويتلف الدهر ما تيسّر لكن تركة زهرة ثقيلة الأثر وكل الشهادات عنها تتقاطع عند خط جديتها ورقي ثقافتها ما أوصلها إلى أرفع رتبة قيادية في تنظيم الجبهة القومية (شعبة) وكانت العنصر النسائي الوحيد مع مجموعة من رجال التنظيم مثل أحمد محمد قعطبي ، عبدالله شرف ، صالح عبدالكريم وآخرين.

في محيط موسوم بالثقافة ومتأجج بالوطنية ولدت زهرة من حاضنة كتاب وتلاقح فكر تبرعمت واشتد عودها أدرك والدها الحاج هبة الله علي بحسّه الوطني حاجة الوطن إلى مطبعة لما لها من أهمية تتعلق بالقضايا الثقافية والأدبية والفنية كما أصدر والدها صحيفة الفجر عام ١٩٥٥م التي انتهجت خطّا سياسا مناهضا لحكم الإمامة ورموزها،ولم تقف جهوده الثقافية والوطنية عند هذا الحدّ بل امتد تواصله حدّ تأسيس المكتبة العربية الكائنة في سوق البهرة.

لم يكن والدها هو المؤثر الوحيد في تكوينها الثقافي والوطني بل أن هناك فاعل آخر رسخ فيها الفعل الوطني هو أخوها أحمد هبة الله الذي كان من رجال ثورة ١٤ أكتوبر .

في عام ١٩٦٤م انضمت زهرة لتنظيم الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل وتميزت زهرة بولائها الوطني الثابت وتمسكها بأهداف ومبادئ الجبهة القومية وانضباطها العالي لمبادئ النظام الداخلي للتنظيم واحترامها للقيادة العامة وجديتها في تثقيف نفسها.

كما كانت مسؤولة عن الرابطة النسائية المكوّنة من عايدة يافعي ، نجوى مكاوي ، فوزية جعفر ، ثريا منقوش ،أنيسه الصايغ ، فتحية باسنيد ، وفطوم علي أحمد ، نجيبة محمد عبدالله بمعنى انها مسؤولة عن قيادة القطاع النسائي في التنظيم.

شاركت في قراءة المنشورات من على منابر المساجد ولعل حادثة حصار جنود الاحتلال البريطاني لمسجد ( الزعفران ) مثال على موقف شجاع واجهته زهره بهدوء حين اتجهت برفقة ( عايدة علي سعيد ، أنيسة الصايغ ) لذات المسجد لقراءة منشور صادر عن تنظيم الجبهة القومية وذلك بعد صلاة العصر وبعد الانتهاء من القراءة هممن بالخروج فإذا بجنود الاحتلال يحاصرون المسجد بغرض إلقاء القبض عليهن لكن زهره ورفيقاتها تمكّن من الاختباء حتى صلاة المغرب وكانت زهرة طوال فترة الحصار بالمسجد تلقي بظلال هدوئها على رفيقاتها حتى يتبدد الخوف والقلق منهن ثم استطعن الخروج بمساعدة المصلين بعد صلاة المغرب.

كانت زهرة في مقدمة قيادة المسيرات وتتولى طباعة المنشورات وتوزعها للمناضلات ليتم عن طريقهن توزيعها لكافة المديرات، وبحسب أختها سارة : كانت زهرة تنتظر حتى ينام الجميع فتتسلل من البيت حاملة معها رصاص تخفيه بمنديل تربطه حول شعرها وبيدها المنشورات وتأمرنا إلا نخبر أحد بخروجها ولا تعود إلا قرب الفجر وكان هذا الوقت هو الآمن لطباعة وتجهيز المنشورات وكما قال أخوها طاهر هبة الله : طرق بابنا في إحدى الليالي شخص ملثم ومعه حارس طلب مقابلة زهرة وقال أنا فيصل عبداللطيف الشعبي أريد مقابلة الرفيقة زهرة وعندما أتت زهرة سلمها رزمة مغطاة.

حصدت زهرة عديدا من النجاحات في رحلتها الدراسية حيث تلقّت دراستها من الابتدائية حتى الثانوية في مدرسة القديس جوسيف ونالت شهادة كامبريج في المستوى الأعلى ب ( ٨ مواد) وهو أمر لم يتحقق لأحد من زميلاتها، في عام ١٩٧٠م تقدمت لامتحان الثانوية العامة وحصلت على المرتبة الثانية ضمن العشرة الأوائل في الجمهورية.

عام ١٩٧١ م سافرت إلى مصر لدراسة الفلسفة وحصلت على البكالوريوس ١٩٧٦م

تم انتخابها في المؤتمر العام الثاني لاتحاد نساء اليمن المنعقد في نوفمبر ١٩٧٨م كعضوة في المجلس المركزي للاتحاد واعيد انتخابها مجددا في ٨مارس ١٩٨١م .

انتخبت عضوة في مجلس الشعب المحلي في الدورة الانتخابية الثالثة ١٩٨٣م.

حصلت على وسام الإخلاص في يوليو ١٩٨٤م

منحت وسام الآداب والفنون في ١٠ سبتمبر ١٩٨٥م

حصلت على ميدالية مناضلي حرب التحرير

ساهمت زهرة في نضال الحركة الوطنية في شمال اليمن ومثّلت المرأة في العديد من المؤتمرات واللقاءات والندوات العربية والدولية خاصة التي نظمها الاتحاد الدولي للعمال العرب واتخاذ النساء العالمي خلال الفترة من ١٩٧١م إلى ١٩٧٩م.

بعد حركة ٢٠ مارس ١٩٦٨م التي دبرها اليمين ضد اليسار التقدمي في الجبهة القومية اضطررت زهرة إلى مغادرة عدن إلى الشمال برفقة زوجها سلطان عمر ومكثت لمدة عامين وعادت إلى عدن بعد الحركة التصحيحية ٢٢ يونيو ١٩٧٠.

وفاتها بعد رحلة مكتظة بالدهشة والإبهار والعمل الوطني والتربوي والاجتماعي لفظت زهرة آخر أنفاسها في إحدى مشافي لندن يوم ٨يناير ١٩٨٦م بعد معاناة مع مرض السرطان وصل جثمانها بتاريخ ١١ يناير إلى مدينة عدن في مهرجان جنائزي امتلأ بحشد حزبي وجماهيري من المطار حتى مقر منظمة الحزب في محافظة عدن في جنازة رسمية مهيبة حيث شيّع جثمانها على سيارة مكشوفة وفرقة موسيقية من الخلف حتى مسجد البيحاني حيث تمّت الصلاة عليها وانطلقت إلى مقبرة للشهداء.

تقدم الجنازة رئيس الجمهورية آنذاك ( علي ناصر محمد ) ورفيقها في النضال عبدالوارث الإبي وعدد كبير من الوزراء ورفاقها ورفيقاتها في الحزب وبالمقابل كانت شقتها تضج بالمعزين في مقدمتهم عبدالفتاح اسماعيل وعلي سالم البيض ،كانت هذه الجنازة المهيبة هي آخر تكريم حظيت به المناضلة زهرة هبة الله كما يليق برمز نضالي مائز رحلت الزهرة وبقي عطرها يضوّع سيرتها بالذكر الحسن.