في زمنٍ تتسارع فيه عجلات الحياة، وتتبدل فيه ولاءات البعض ومواقفهم، يظل اسم القائد أحمد بن أحمد مسعد، الملقب أبو توفيق، منارةً شامخة ورمزاً خالداً للوفاء والتضحية الوطنية المطلقة. هذا المقال، الذي يفيض بالتقدير والاعتزاز، هو أكثر من مجرد تسجيل في "سجل التاريخ"، بل هو دعوة صريحة ومُلِحّة لإعادة الاعتبار وتكريم القادة الذين اختاروا العمل بصمت مطبق في خضم المعارك والميادين، مفضلين ذلك على ضجيج المناصب السهلة والظهور الإعلامي الزائف. إنه التجسيد الحي والمُلهِم للمقولة الخالدة التي خطها بدمه وعرقه: "خذوا المناصب والمكاسب، لكن اتركوا لنا الوطن!"
أبو توفيق: مدرسة في النزاهة والشجاعة
القائد أحمد مسعد، الذي شغل حالياً منصب أركان اللواء الثاني مشاة، ليس مجرد اسم عابر في السجلات العسكرية. بل هو مدرسة متكاملة تُدَرّس فيها الصفات القيادة النادرة. يتميز هذا القائد بمزيج لا يُضاهى من النزاهة المطلقة، والعزة التي تأبى الانكسار، والشجاعة الفائقة في أحلك الظروف. هذه ليست صفاتٌ يمكن تزييفها أو ادعاؤها، بل تظهر جليةً وناصعة في سجله الميداني الممتلئ بالبطولات والتضحيات.
لكن قصة تضحيته تتجاوز حدود الواجب العسكري التقليدي؛ فقد قدم أبو توفيق تضحيات شخصية لا تُقدر بثمن على مذبح الوطن، حيث ضحى بـروحه وأولاده وإخوانه من أجل صون كرامة وطنه واستقراره. إنه القائد الذي يتعمد الغياب إعلامياً، لكنه يتواجد بقوة وتأثير ميدانياً في كل جبهة وشبر، يعمل بلا كلل، بصمتٍ وكبرياء، لـبناء الوطن بألف يد وقلب مخلص.
من عقيد في الجيش إلى مؤسس صلب في المقاومة (2011 - 2015)
إن قصة القائد أبي توفيق تضرب بجذورها عميقاً في الإخلاص الجذري للوطن والمنطقة التي ينحدر منها، تورصة بمديرية الأزارق بمحافظة الضالع. فمنذ اللحظات الأولى لتأسيس المقاومة الجنوبية، كان أبو توفيق هو الرجل الذي ترك كل مجدٍ ومنصبٍ زائل خلفه.
كان يحمل رتبة عقيد في الجيش ، لكنه اختار عن قناعة التخلي عن كل الامتيازات العسكرية ليقف في صف الوطن كـمدني متطوع يحمل همّ القضية. إنه أحد المؤسسين المقاومة الجنوبية في الضالع، حيث بدأ منذ عام 2011م يقوم بـتدريب أبطال المقاومة الجنوبية مع زملائه الضباط الأوفياء، متجاهلاً كل المعاناة والمطاردات التي تعرض لها وقطع الراتب الذي واجهه في تلك المرحلة التأسيسية المبكرة والخطيرة.
ولم يكتفِ بالتأسيس النظري، بل كان في الصفوف الأمامية والمقدمة خلال حرب تحرير الضالع في عام 2015م. وهناك كُلّف بمهمة نوعية وخطيرة تمثلت في اقتحام موقع الخزان، وهي شهادة على نزعته الهجومية وشجاعته التي لا تلين، مما أكسبه لقب "المقاتل الفارس". إن تساؤل المحبين حول سبب إقصاء هذا القائد، الذي يُعد من أبرز قيادات في محافظة الضالع، يظل صرخة في وجه التهميش.
صرخةٌ واجبة: لَا تُنسوا الأوفياء.. التكريم هو البوصلة
من المؤسف، بل من المعيب، أن هذا الإخلاص والتفاني قد قوبل بـتجاهل مُتعَمّد من قبل بعض القيادات العليا. إن تهميش أمثال أبو توفيق بعد أن قدموا من خيرات أنفسهم وأفراد أسرهم حباً في الوطن، يعد خطأً تاريخياً ووطنياً جسيماً يجب تداركه فوراً.
إن تكريم هؤلاء القادة المخلصين ليس مجرد واجب أدبي أو منحة عابرة، بل هو ضرورة وطنية قصوى ليكونوا قدوةً حية ومثلاً أعلى للقادة والشباب الذين يسعون لخدمة الوطن. يجب أن تُسجل أسماؤهم في سجل المجد الخالد، وأن يُذكروا بكل فخر واعتزاز، لأنهم المعدن الأصيل الذي يُبنى به المستقبل.
خاتمة المقال: القائد أبو توفيق... الوطن والمثل الأعلى
القائد أبو توفيق هو الأسطورة التي لن تتكرر بسهولة، هو القائد الذي لن يُمحى اسمه أو إنجازه من ذاكرة الوطن، لأنه ببساطة، وكما صدحت قلوب محبيه:
"أبو توفيق هو الوطن، والوطن هو القائد أبو توفيق!"
إننا نرفع التحية العسكرية والوطنية، احتراماً وتواضعاً، لمثل هذا القائد العظيم الذي آثر صمت الميدان المقدّس على ضجيج المكاتب والمناصب الزائلة. وعلى القيادة أن تعي أن هذا هو المعدن الأصيل، هو الفارس الذي لا يُقاس بالرتب، بل بالتضحيات التي قدمها لوطنه