تواجه حضرموت اليوم سؤالًا جوهريًا يتعلق بموقعها داخل الدولة اليمنية وشكل العلاقة التي تربطها بالسلطات المركزية. فالدولة الجنوبية في ستينيات القرن الماضي فرضت سيطرتها على حضرموت في ظروف غير طبيعية، وبصورة لم تستند إلى إرادة شعبية أو توافق سياسي. ووجد أبناء حضرموت أنفسهم أمام أمرٍ واقع لا خيار لهم أمامه سوى القبول، لتتحول عملية الضم والإلحاق التي تمت من خارج حدود حضرموت إلى شرعية مفروضة بحكم القوة، ثم معترف بها دوليًا كواقع سياسي.
ومع تراجع الدولة التي بُنيت على هذا الأساس المهتز، تسعى حضرموت اليوم إلى إعادة صياغة علاقتها بالمركز عبر مسارات سياسية وقانونية واضحة. فهناك جهود تُبذل من أجل الوصول إلى اتفاق يمنح حضرموت حكمًا ذاتيًا، سواء من خلال اتفاقية رسمية مع السلطة المركزية، أو بإصدار قانون خاص يحدد وضعها، أو عبر إجراء تعديل دستوري يضمن استمرار بناء مؤسسات الحكم الذاتي في الإقليم.
غير أن السيناريو الأهم ـ كما يرى العديد من الحضرميين ـ يتمثل في ما سيحدث في حال رفضت الأطراف المركزية الدخول في مفاوضات جدية أو تجاهلت المطالب المشروعة لحضرموت. ففي هذه الحالة يصبح البديل المنطقي هو الذهاب إلى استفتاء شعبي حول حق تقرير المصير، أو اتخاذ خطوات أحادية الجانب، مستندة إلى حقيقة أن حضرموت أُلحقت بالدولة الجنوبية السابقة في ظروف استثنائية غير طبيعية، وأن تلك الدولة نفسها باتت الآن مهددة بالزوال، بما يلغي أي أساس لاستمرار حضرموت ضمن إطارها السياسي.
من الناحية القانونية، لا يوجد عقد اجتماعي أو سياسي يربط حضرموت بالدولة التي ضمتها. فمع إعلان بريطانيا نيتها الانسحاب من عدن في السنة القادمة ، شهدت عدن وماحولها صراعًا سياسيًا حادًا انتهى بسيطرة الجبهة القومية بعد تصفيتها لخصومها ، ثم مدّت نفوذها إلى حضرموت عبر نشر الجماعات المسلحة وإخضاع الإقليم بالقوة وتصفية المعارضين ميدانيا دفع حضرموت للاستسلام. وهكذا وجد الحضرميون أنفسهم جزءًا من دولة جنوبية تشكّلت دون اتفاق أو مشروعية حقيقية، واستمر الوضع كأمر واقع لأن أحدًا لم يتمكن من مقاومته حينها.
إن الحديث عن حق حضرموت في تحديد مصيرها يستند أولًا إلى الاعتراف بأنه لا توجد أي وثيقة قانونية أو اتفاق سياسي يمنح الجنوب ـ أو الدولة اليمنية الراهنة ـ حق حرمان حضرموت من خياراتها المستقبلية. فغياب الأساس القانوني لعملية الضم يفتح الباب أمام إعادة النظر في الوضع القائم، والبحث عن صيغة عادلة تضمن لحضرموت موقعًا يليق بتاريخها و هويتها وخصوصيتها.
وفي ظل التحولات المتسارعة في اليمن والمنطقة، يبدو أن حضرموت تدخل مرحلة جديدة من إعادة تشكيل العلاقة بين المجتمع والدولة، بين التاريخ والواقع، وبين الحق والممكن السياسي. خطوة نحو المستقبل قد تأخذ شكل حكم ذاتي، أو إصلاح دستوري، أو حتى استفتاء شعبي، لكن المؤكد أن صوت حضرموت اليوم أصبح حاضرًا بقوة، وأن خياراتها لم تعد قابلة للتجاهل بعد الآن.