في شوارع تعز التي تئن تحت وطأة الألم، لكنها ترفض أن تتنازل عن أحلامها، يقف الدكتور عبد القوي المخلافي كشجرة زيتون صلبة في وجه العواصف.
اللحظة الفارقة التي لا تنسى كانت يوم استشهاد الأستاذة أفتهان المشهري. حينما اجتاح المدينة موج من الغضب والحزن، وبدا أن الأمور قد تخرج عن السيطرة، وقف المخلافي في قلب العاصفة. في الموكب الجنائزي، بين الجموع الغاضبة والدموع المحبوسة، كان حضوره كالمرساة في البحر الهائج. يستمع، يهدئ، ويطمئن. بكلماته الهادئة وموقفه الحازم، أنقذ المدينة من براثن الفوضى، محوّلاً الغضب إلى طاقة بناء.
في أصعب الأيام، حيث كان اليأس يطرق أبواب تعز، كان المخلافي يطرق أبواب الأمل. في مديريات المواسط والصلو وسامع، يجلس مع الناس كجار بين جيران، يناقش مشاكلهم كما لو كانت مشاكله. يراقب الأسواق كتاجر حريص، يضبط الأسعار ويحاسب المتلاعبين، جاعلاً من الرقابة رسالة إنسانية قبل أن تكون إجراءً إدارياً.
على طرقات المعافر الوعرة، حيث كانت المعاناة تكتب فصولها كل يوم، وقف المخلافي يحمل مخططات الطرق الجديدة كمن يحمل بوصلة الأمل. بيده افتتح طريق كوكب المعافر – القرف سامع وطريق الغيل – الكسار، محوّلاً المعاناة إلى سهولة، والعزلة إلى اتصال.
وحين تهدد النسيانُ ذاكرةَ المدينة، قاد بنفسه معركة إحياء تراث تعز. أشرف على إعادة تأهيل قلعة القاهرة التاريخية، كأنه يعيد للقلعة نبضها، وللمدينة روحها. أزال العشوائيات ليس فقط عن الشوارع، بل عن النفوس أيضاً.
في التعليم، حريصاً على دعم المدارس والجامعات المعارف والعلوم التطبيقية والعلمية كمن يغرس بذور المستقبل. وفي الصحة، دشن حملات التوعية كطبيب يصف دواء الأمة. وفي التنمية، جلس مع منظمات العالم كدبلوماسي قدير، يطالب بحق تعز في العيش الكريم.
الدكتور عبد القوي المخلافي لم يكن مجرد مسؤول، بل كان ومازال القصة التي ترويها تعز لأبنائها: أن الأمل لا يموت، وأن العزيمة تصنع المعجزات. هو الرقم الصعب في معادلة المدينة الأصعب، يحمل وجع تعز على كتفيه ويحوّله إلى مشاريع تنبض بالحياة. في كل زاوية من زوايا المدينة، ثمة أثر من آثاره يهمس لأهلها: "لا تستسلموا، فالقادم أفضل".