في كل وقت وحين، يراودني سؤال لا أستطيع الإجابة عنه. أتهرب من همسات حروفه، من تمتمة كلماته، من نبرة صوته الشاحبة التي تهز كياني. شعور الخوف يلتف حولي في كل مرة يبدأ فيها هذا السؤال بالتمتمة في عقلي، فتتداعى أحلامي التي حاولتُ أن أبنيها على أطلال شتات حياتي.
لماذا لا يكون لنا وطن؟
وما العيب أن ننتمي إلى وطن كبير جامع، يسوده العلم والثقافة، وتعلو فيه الكفاءة والمهنية والنزاهة؟
ما العيب أن نملك وطنًا نحبه ويحبنا، يحمينا ونحميه، يمنحنا ونعطيه، يتحدث باسمنا ونتحدث باسمه؟
ما العيب أن أقول: "أنا من الوطن الفلاني"، دون أن ينظر إليّ أحد بعين العمالة، أو يرمني آخر بالمرتزقة، ودون أن تصب عليّ لعنات الجهلة بالقومي، أو التكفير والزندقة؟
لم أشعر يومًا أنني أنتمي إلى وطن؛ وطن كبير جامع، يطعمنا من جوع، ويحمينا من خوف، قانونه الإنسانية، وسلاحه العلم، وثقافته المساواة، ودستوره الكفاءة، ونشيده الحرية، ووحدته الإنسان.
كل العالم يعيشون في أوطانهم، إلا نحن، نعيش في مآسٍ تشبه وطننا.
كل إنسان يفخر بوطنه، إلا نحن، نطأطئ رؤوسنا حين ننطق باسمه.
مخيفة هي نظرات العالم لنا، تارة بالسخرية، وتارة بالاحتقار والتخلف.
لماذا نحن متخلفون، متشبثون بالماضي ومحاطون بالموت، نسحق أنفسنا ليعيش غيرنا؟
لماذا الحياة لا تنصفنا، أم أننا نحن من نرفض أن ننصفها؟
أصيل الربيزي