كانت تغسل ثياب أطفالها والتي لاتقيهم _هذه الأيام _ من برد الشتاء القارس...
فتساقط دمع عينيها لتبلل به الثياب بدلا من الماء الذي أصبح شبه معدوما وغير متوفر ولتنشرهم بالشمس التي توسمنا فيها الدفء فأحرقتنا...
امرأة لم تكمل عقدها الرابع لكن ملامحها تبدو للناظر وكأنها في العقد السابع من العمر فقد أكل الدهر شبابها وصادر الفقر والمرض ملامح حسنها وما أبقى _من جمالها وحسنها _ هذا الزمن أودى به المرض وأكلته الحرب اللعينة... ولا ذنب لها سوى أنها من اليمن التعيس الذي قضت عليه الحرب وقضت على أبنائه ....
وصادرت اسمه القديم الذي أشتهر به بين البلدان فكان يعرف باليمن السعيد وذكره القرآن بأنه البلدة الطيبة "بلدة طيبة ورب غفور"
يا إلهي لم يعد اليمن سعيد ولا أرضه بأرض الجنتين ولابلدته بالبلدة الطيبة ولا أهله يتصفون بالحكمة كما كانوا وكماأخبر عنهم الرسول الكريم كما أن قلوبهم لم تعد رقيقة ولا أفئدتهم لينة فالفقر غير ملامحهم كما غير صفاتهم وأساميهم وأسامي بلدهم فقد حلت التعاسة والبؤس مكان السعادة... والقساوة قدسكنت قلوبهم بدلا من الرقة والفظاظة والغلظة هما السائدتان بفضل الفقر وفعله...
فيا أيها المحسنون ويا أيها الميسرون كونوا عونا لأهاليكم المعسرين وأحسنوا إليهم وامسحوا دموع أطفالهم وارحموهم أنتم فالجوع لم يرحمهم فقد أسال دموعهم وقرح أجفانهم....
تفقدوهم حتى لاتفقدوا الرحمة فالرحمة لاتنزع إلا من شقي....
اسألوا عنهم ومدوا يد العون لهم حتى تنقشع عنهم هذه السحابة التي جثمت على صدور الكثير فصادرت أفراحهم وألهبت بالجوع بطونهم وصيرت الميسر معسرا والغني فقيرا والشاب كهلا والفتاة اليافعة عجوزا....
الله الله في مؤاساتهم والله الله في تفريج همهم وتنفيس كربتهم "فمن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه" ومانقص مال من صدقة والصدقة تطفي غضب الرب وتقي مصارع السوء... "وماعندكم ينفد وماعند الله باق"
فالحرب اللعينة قد طال أمدها لأكثر من عقد حتى حولت اليسير عسيرا وصيرت الممكن مستحيلا...
فالأسعار عالية والأعمال معدومة والسلع غالية والعيش أصبح لمن استطاع إليه سبيلا!!....
فلا تغلب على هذه الأوضاع ولا تجاوز هذه المصاعب إلا بالتكافل والتراحم والتعاطف والإحسان فالله يحب المحسنين...
وحذار حذار أن تخرجوا أنفسكم أيها الأغنياء والميسرون من دائرة الإيمان فقد قال رسولنا الكريم محذرا لنا من مغبة البخل "والله لايؤمن والله لا يؤمن قيل من يارسول الله ؟ قال من بات شابعا وجاره جائعا"...
فتفقدوا جيرانكم و أقرباءكم وأهاليكم فخيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي....
تداركوهم قبل أن يقضي عليهم المرض والجوع ساعتها ستعضون أناملكم ندما وتذرفون دموعكم حزنا على رحيلهم وفقدانهم...
ساعتها ستتسابقون على نعيهم وتقديم واجب العزاء لأهلهم وذويهم ولاتدعوا النفاق الإجتماعي يمنع الخير عنهم في حياتهم ويظهر بعد موتهم وتذبحون عشرات الخراف في أيام العزاء...