آخر تحديث :الإثنين-03 نوفمبر 2025-11:57م

"زفرات شعبية"... حين يرقص الألم على أنغام السخرية

الأحد - 26 أكتوبر 2025 - الساعة 01:20 م
منصور بلعيدي

بقلم: منصور بلعيدي
- ارشيف الكاتب


في زمنٍ باتت فيه الشكوى فنًا، والمعاناة مادةً للضحك، ظهر على منصة "يوتيوب" مقطع فيديو ساخر، فيه شابان أشعثان أغبران يرقصان على أنغام أنشودة "وين الملايين"، ولكن بصوت مجهول وكلمات معدّلة تعكس واقعًا يمنيًا مريرًا.

لم تكن الرقصة مجرد حركة، بل كانت زفرة شعبية، تخرج من بين أنقاض وطنٍ أنهكته الحروب، وأثقلته خيبات الداخل قبل الخارج.


"وين الراتب؟ وين الكهرباء؟ وين الصحة؟ وين العدالة؟" هكذا يردد الصوت المجهول، وكأنّه يصرخ في وجه وطنٍ غابت عنه أبسط مقومات الحياة.

كلمات بسيطة، لكنها تختزل عقدًا من الألم، وتُعرّي واقعًا لم يعد يحتمل التجميل أو التبرير. الفيديو، رغم طرافته، يحمل رسالة موجعة: نحن نضحك، لكننا نبكي في العمق.


*ضحك كالبكاء...ووطنٌ يئن*

ليست هذه أول مرة يلجأ فيها اليمنيون إلى السخرية للتعبير عن وجعهم، لكنها ربما الأكثر صدقًا. فحين يتحول الرقص إلى وسيلة للاحتجاج، ويصبح اللحن وسيلة لتفريغ الغضب، ندرك أن الألم بلغ مداه. الفيديو لا يضحك فقط، بل يطرب الأسماع ويوقظ الضمائر، ويكشف كيف أن ظلم القريب بات أشد من حدّ السيف.


في مقارنة مؤلمة، يرى الكاتب أن معاناة اليمنيين تفوق ما يعيشه الفلسطينيون في غزة. فالفلسطيني يقاتل عدواً واضحاً، ومن يُقتل منهم يُعد شهيدًا، أما اليمني، فعدوه أخوه، ومصيره مجهول، ومن بقي حيًا يعيش في دوامة من القهر والخذلان. الموت في اليمن لم يعد نهاية، بل راحة من حياةٍ تزداد قسوةً كل يوم.


*هل من فجر بعد هذا الليل؟*

عشر سنوات من الحرب، من الانقسام، من الجوع والمرض وانقطاع الكهرباء وانهيار الخدمات، جعلت اليمنيين يتساءلون: هل من فجرٍ يعقب هذا الليل الطويل؟ هل من فرجٍ بعد هذه الشدة التي بلغت ذروتها؟ سؤالٌ لا يحمل إجابة، لكنه يحمل أملاً، ولو كان ضئيلاً، بأنّ الغد قد يكون أقل وجعًا.


في النهاية، يبقى الفيديو رمزًا لصوتٍ شعبيٍ لا يُقهر، صوتٍ يرقص على الجراح، ويغني للعدالة المفقودة، ويضحك رغم أن الضحك بات يشبه البكاء. إنها زفرات شعبية، لا تُكتب بالحبر، بل تُنقش على جدران القلوب.