آخر تحديث :السبت-08 نوفمبر 2025-08:43م

محاولة اغتيال العميد عدنان رزيق .. الأبعاد الأمنية والسياسية ورسائل التوقيت الحساس

الخميس - 23 أكتوبر 2025 - الساعة 02:37 ص
عبدالواسع الفاتكي

بقلم: عبدالواسع الفاتكي
- ارشيف الكاتب


جاءت محاولة اغتيال العميد عدنان رزيق أحد أبرز القادة العسكريين في تعز لتهز المشهد اليمني وتطرح أسئلة عميقة حول قدرة مليشيات الحوثيين على تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات عسكرية او أمنية او سياسية ذات القرار والحضور القوي والفعلي في السلطة الشرعية ، ومدى الاختراق الأمني في واحدة من أهم المحافظات اليمنية ، لم تكن هذه العملية مجرد حادث عابر ، بل هي عمل استخباراتي مُحكم ورسالة خطيرة موجهة لضرب الاستقرار وزعزعة الصفوف في ظرف سياسي وعسكري دقيق ، مما يستدعي تحليلا شاملا لدلالاتها وانعكاساتها ، تعرض موكب العميد رزيق لمحاولة اغتيال أثناء تحركه في منطقة تقع ضمن نطاق مسؤوليات السلطة الشرعية العسكرية ، وعلى الرغم من تضارب الروايات الأولية حول آلية التنفيذ ، فإن جميعها تشير إلى وجود تخطيط استخباراتي متقدم ، تتلخص السيناريوهات المحتملة في الآتي : العبوة الناسفة : إن كانت مزروعة في طريق مرور موكب رزيق ، فإن هذا يعني أن فريقًا قام برصد دقيق لتحركات العميد وزرع عبوة ناسفة في طريق يسلكه بشكل متكرر ، وهو ما يعكس قدرة على التسلل إلى مناطق مؤمّنة ، أما إن كانت العبوة مزروعة في السيارة او الطقم الخاص بالعميد رزيق فالاختراق الأمني وصل لدرجة كبيرة جدا من الخطورة ، رواية القصف المدفعي لموكب رزيق عقب انفجار العبوة الناسفة إن صحت ، تشير إلى تحديد دقيق للإحداثيات وتنسيق عال لحظة مرور الهدف ، أما رواية الطائرة المسيّرة: تمثل تصعيدا نوعيا يدل على امتلاك المليشيات الحوثية قدرات تقنية متطورة ، القاسم المشترك بين هذه الروايات هو أن العملية لم تكن عشوائية ، بل استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة ومراقبة مسبقة ، مما يضع المنظومة الأمنية بأكملها أمام تحدٍ كبير ، تكشف محاولة اغتيال العميد عدنان رزيق عن ثغرات أمنية خطيرة تتجاوز مجرد حماية شخصية قيادية لتطال منظومة الأمن الوقائي والاستخباراتي ، فنجاح المنفذين في الوصول إلى مسار تحرك قائد عسكري كبير يثير تساؤلات حول كفاءة إجراءات تأمين القيادات وتغيير خطوط السير والبروتوكولات الأمنية المتبعة ، وترجح وجود اختراقات سواء عبر خلايا نائمة أو متعاونين ، فإن تنفيذ عملية بهذا الحجم يتطلب وجود عناصر على الأرض سهّلت مهمة الرصد أو التنفيذ ، مما يستدعي مراجعة شاملة للبيئة الأمنية المحيطة .


لم يكن توقيت العملية مصادفة ، بل تم اختياره بعناية فائقة لتحقيق أقصى تأثير سياسي ، حيث تزامنت المحاولة عقب زيارة وزير الدفاع إلى تعز ، وهي زيارة كانت تهدف إلى رفع معنويات الجيش ، وتوحيد الصفوف ، وإعادة الانضباط للمؤسسة العسكرية ، فجاء الاستهداف كرسالة لإفشال هذا الزخم وإرباك المشهد ، وإظهار أن السلطة الشرعية عاجزة عن تأمين قياداتها ، كما أن الحادثة أتت في أعقاب قضية اغتيال افتهان المشهري التي أحدثت توترا مجتمعيا وسياسيا داخل تعز ، فجاءت محاولة الاغتيال ؛ لتعمق الانقسامات ، وتوجه أصابع الاتهام داخليا لصرف الأنظار عن العدو الحقيقي .


يبرز اسم مليشيات الحوثيين كالمستفيد الأول والأبرز من هذه العملية ، وذلك عبر تحقيق عدة أهداف استراتيجية كتفكيك الجبهة الداخلية ، حيث تسعى المليشيات الحوثية إلى زرع بذور الشك والفتنة بين القيادات العسكرية والأمنية في تعز ، مما يضعف وحدتها ويشتت جهودها ، وخلق فوضى موجهة من خلال إثارة الاتهامات المتبادلة ، كما يأمل الحوثيون في خلق حالة من الفوضى ، التي تسمح لهم بتفكيك البنية التنظيمية للجيش الوطني وتسهيل اختراقه .


الاستراتيجية القائمة على الاغتيالات والاختراقات ليست جديدة ، بل هي جزء من عقيدة الحوثيين ؛ لزعزعة استقرار المناطق الخارجة عن سيطرتها ، فشل محاولة الاغتيال لا يلغي خطورة الرسالة التي حملتها ، بل يقدم دروسا حيوية للمرحلة القادمة ، فالمواجهة لم تعد مقتصرة على الجبهات العسكرية ، بل تحولت إلى حرب معلومات وعقول ، حيث أصبح امتلاك المعلومة الدقيقة هو مفتاح النصر ، تؤكد عملية محاولة اغتيال رزيق أن أي تهاون في التنسيق الاستخباراتي أو الإجراءات الأمنية سيفتح الباب أمام عمليات اختراق خطيرة ، ما يجعل من اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية أمرا حتميا كإعادة هيكلة المنظومة الاستخباراتية ، والتقييم الشامل لأدائها ، وتفعيل وحدات جمع المعلومات والتحليل الميداني ، وتعزيز التنسيق الفوري بين الجيش والأمن ؛ لتبادل المعلومات ورصد أي تحركات مشبوهة ، وتعزيز حماية القيادات ، وتطبيق بروتوكولات أمنية أكثر صرامة وتطورا في مجال حماية الشخصيات العسكرية والأمنية ، مع تغيير مستمر لخطط تحركاتهم ، إضافة لإدارة إعلامية شفافة تتصدي للشائعات من خلال تزويد الرأي العام بالحقائق أولا بأول ، وقطع الطريق على من يسعى لاستغلال الحادثة ، ومن الأهمية بمكان ضبط الخطاب السياسي ، وتوحد جميع المكونات السياسية والإعلامية وتجنب الانجرار وراء الاتهامات المتبادلة ، التي لا تخدم إلا المليشيات الحوثية ، إن محاولة اغتيال العميد عدنان الرزيق لم تكن تستهدف شخصا بعينه ، بل كانت تستهدف مشروع الدولة والاستقرار في تعز ، تجاهل هذه الرسالة والتهاون في معالجة الثغرات التي تسببت بها ، قد يفتح الباب أمام عمليات أكثر إيلاما في المستقبل .



عبدالواسع الفاتكي