حدثني أحد زملاء والدي، العميد ناصر محمد علي عبادي رحمه الله، بقصة لا أنساها لما فيها من طرافة وهيبة في آن واحد.
قال لي:
في منتصف السبعينات كنت أعمل نائبا لوالدك في البحث الجنائي بشرطة البريقة، وكنا نحقق في قضية اختلاس داخل البنك الأهلي، والمتهم كان مراوغا جداً، ومتعلما وذكيا، رفض الكلام إلا بحضور محام أو وكيل نيابة، فتشنا بيته ولم نجد شيئا.
يواصل مبتسمًا وهو يسترجع المشهد:
دخل والدك علينا وسألني: هل اعترف؟
قلت له: “لا، ما زال ينكر.”
فجأة اقترب مني وصفعني صفعة قوية أطاحت بي أرضًا! ثم التفت إلى المتهم وأعطاه صفعتين جعلت الشرر يخرج من عينيه، فما كان منه إلا أن انهار واعترف وقال: “المال في غلاف الغسالة في بيتي، ولا تعرف زوجتي بذلك!”
ذهبنا فورًا ووجدنا المبلغ كاملًا كما قال.
ضحك وهو يضيف:
زعلت من والدك واعتكفت في بيتي، وبعد أيام جاء بنفسه يحمل كبشا وكسوة، وقال: أنا في بيتك واحكم كما تشاء.
اعتذر لي بكل طيبة، وتغدينا وخزنا سويًا، والله ما رأيت أكرم ولا أشجع منه.
ثم قال وهو يغالب دموع الذكرى:
بعد فترة أنتقل والدك إلى شرطة كريتر وعين قائدا للقسم عام 1979م، وافترقنا في العمل لكن ظلت صداقتنا كما هي، رغم الكف الحناني الطناني، ما زلت أذكره بمحبة، لأنه جاء من رجل مخلص لعمله.
ضحكت وقلت له:
إذا تحب تأخذ كف بدل والدي رحمه الله، أنا حاضر!!!
فضحك وقبل رأسي وقال:
لا يا بني، أنت ابن صديقي الغالي، حكيت لك هذه القصة لتفتخر بوالدك البطل رحمه الله.
فقلت له وأنا أشعر بالفخر والحنين:
رحمك الله يا أبي، كنت قدوة في الشجاعة والوفاء والرجولة.
*د. غسان ناصر عبادي*