( المقال السابع والاخير ضمن سلسلة مقالات سبتمبر الثورة)
سبتمبر عهد خالد في ذمة اليمنيين، ميثاق دم وحياة وحلم، يتجدد في كل جيل كما تتجدد أنفاس الأرض في صباحاتها الأولى. لم تكن ثورة 26 سبتمبر 1962 نهاية الطريق، بل كانت بداية المسير الطويل نحو الحرية والكرامة والدولة العادلة.
ولهذا فإن معركة اليوم مع الحوثية الكهنوتية ليست سوى استكمال لذلك الطريق، وصياغة جديدة لذات الملحمة التي كتبها الأجداد بدمائهم الطاهرة.
لقد قال أبو الأحرار الزبيري:
"الحق حق الشعب، والجمهورية جمهورية الشعب، والدولة دولة الشعب، والأموال أموال الشعب، والعزة والكرامة والحرية كلها ملك للشعب، وليس فوق شعبنا من قوة إلا قوة الله."
وهذا القول لم يكن شعارًا عابرًا، بل دستورًا للثورة، وإعلانًا أبديًا أن لا مكان بعد اليوم لسيادة السلالة على حساب سيادة الأمة.
سبتمبر هو النقطة التي ارتكز عليها اليمن ليخرج من قيد الإمامة، وهو اليوم الذي وُلدت فيه الجمهورية من رحم الفداء. لكنه ليس مجرد ذكرى؛ إنه نهر متدفق لا ينضب، يستمد من الماضي زخمه، ويصنع للحاضر عزيمته، ويرسم للمستقبل آفاقه.
وحين نرى الجيش الوطني والمقاومة الشعبية اليوم يخوضون معركة التحرير، فإننا لا نرى سوى أحفاد الثوار الأوائل، يقاتلون بذات الروح التي أطاحت بالإمام البدر وأسقطت عرش الكهنوت. ما تغيّر إلا الأسماء والأزمنة، أما المعركة فهي ذاتها: معركة ضد الاستعباد، وضد من يزعمون أن الله خلق الناس درجات وورّثهم الحكم بالسلالة والدم.
الحوثيون اليوم ليسوا سوى الفيروس المتحوّر للإمامة القديمة، مشروع كهنوتي يرتدي قناعًا جديدًا، لكنه يحمل ذات الروح المظلمة. ما أشبه ليل 21 سبتمبر 2014 بليل الإمامة قبل 1962! انقلاب غادر على أحلام الناس، وارتداد إلى عصور العزلة والقهر، وانقضاض على الجمهورية بمؤامرة وتواطؤ. لكن كما أسقط الأجداد مشروع الإمامة، فإن الأحفاد سيكملون المهمة حتى إسقاط الحوثية، لا كخيار، بل كقدر.
إن أخطر ما في معركتنا اليوم أن ندع الحوثي يزيف الوعي ويعيد صياغة ذاكرة الأجيال. ولذلك فإن تثبيت سبتمبر في وجدان الشباب، وإحياء معانيه في المدارس والجامعات والإعلام والمساجد والبيوت، هو السلاح الأقوى في مواجهة مشروع الكهنوت. فالرصاصة تقتل جنديًا، أما الوعي فإنه يقتل مشروعًا بأكمله.
لن يطول ليل الظلم، ولن يظل 21 سبتمبر سوى صفحة سوداء في كتاب الوطن. أما شمس 26 سبتمبر فإنها باقية، تتوهج في العيون والقلوب، وترسم للأمة طريقها مهما اشتدت العواصف.
فالشعب الذي فجّر الثورة الأولى، هو ذاته الشعب الذي سيستكملها اليوم، وسيظل يردد مع الزبيري ورفاقه:
"شعب تفلت من أغلال قاهره، حرًّا فأجفل عنه الظلم والظُلَم."
اليوم، يؤكد اليمنيون عهدهم لسبتمبر:
لن يتركوا الجمهورية يتيمة.
لن يتركوا الثورة يتناهبها الطامعون.
لن يسلموا الوطن للكهنوت مجددًا.
بل سيواصلون السير، بدماء الشهداء وصمود الأحرار، حتى يتحقق الوعد: دولة يمنية جمهورية عادلة، حرة، تليق بشعبٍ لم يُخلق ليُستعبد.
---
✍️ عبدالعزيز الحمزة
# الخميس ٢٥ سبتمبر ٢٠٢٥م ✨
#ميلاد_وطن_26سبتمبر