يصل بنا القول، ونحن نشهد ذكرى تأسيس الأحزاب اليمنية على المستوى الرسمي والشعبي، إلى أن الذكرى الوحيدة والمتبقية التي يحق لليمنيين اليوم الاحتفال بها هي ذكرى ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وذكرى تأسيس مطارح مأرب.
مع بداية الصراع الإمامي الحوثي مع الجمهورية، وتسلل جحافل الكهنوت إلى محافظات ومدن اليمن، التي جاءت كاستجابة لمقامرةً سياسية وصراعًا حزبيًا خاضته الأحزاب التي كانت تمتلك حينها من القرار والقوة ما يكفي للجم المشروع الحوثي ومنعه من التمدد.
لكن مدننا ظهرت سبية سهلة، تتلقفها عصابات كهنوتية، فتح لها اختلافنا واختراقنا من الداخل أبواب السيطرة، الأمر الذي استُكمل بإسقاط صنعاء، ثم تلتها عدن وغيرها من المدن المغلوبة.
كانت ثلاث محافظات فقط آنذاك منيعة أمام التمدد الحوثي: أجزاء واسعة من تعز الحالمة، ومدن البيضاء الشامخة، ومأرب العصية على جحافل الكهنوت.
ففي الثامن عشر من سبتمبر 2014، استجمعت مأرب قواها القبلية بما تملكه من حنكة وحكمة وقدرة على الثبات، لتتشكل طلائع المطارح المأربية بهوية يمنية وقبلية، تتوجها شموخ البدوي العنيد، المقاتل الوحيد، الذي أسس لقاعدة رفض قبلية ومجتمعية وشعبية جمهورية خالصة، بعيدًا عن تجاذبات الأحزاب ولعنة اختلافها، وبعيدًا عن اختراق الجرثومة السلالية لقرار رجال مأرب. تحدّت مأرب الجميع، واستنهضت مطارحها، وشحذت بنادقها في يوم جمهوري كان يترقب سقوط صنعاء بالكامل.
إنه عهد القبيلة وميثاق الرجال وعرف الكرامة، اجتمع ليقول كلمته أولًا وأخيرًا: نحن لن نقبل بما قبل به غيرنا، ولن نكون واجهة استعباد لأحد.
تهافت الشيوخ الآباء، رسل العزم والقوة، نحو مطارح نخلا والسحيل، يتقدمون الأبناء، يرسّخون قلاع المجد والرفض والصَدّ. نعم، كانوا هناك، كانوا الدرع المانع والصوت الذي أرعد جحافل الغزو الكهنوتي، كانوا أبناء مأرب. هكذا تجمعوا تحت راية الوطن والكرامة، لا مكان للحزبية، ولا حساب للمصالح، ولا خوف من الثارات. كل رصاصة، منذ اليوم الأول لتأسيس مطارح مأرب، عرفت وجهتها: صوب العدو الكهنوتي لا غير.
إن ما يميز مأرب وأحزابها – وأعني هنا حزب التجمع اليمني للإصلاح وقيادته فيها، وحزب المؤتمر الشعبي العام – أنها قيادة وقواعد حافظت على ولائها الجمهوري، وحددت موقفها من الانقلاب منذ اليوم الأول لإعلانه.
لم يقبل مؤتمر مأرب أن يكون جزءًا من أي تصالح مع الانقلابيين ومشروعهم تحت أي سياسة أو مبرر، فرفض أن يكون قراره الداخلي في مأرب امتثالًا لقرار المؤتمر الشعبي في صنعاء. ولهذا نجدد القول: إن مؤتمر مأرب وقيادته التي أظهرت روح تفانيها مع الجمهورية، هي من تستحق أن تقود اليوم المؤتمر الشعبي العام وتمثّله.
والأمر نفسه نجده مع قيادة التجمع اليمني للإصلاح، التي اختارت قرار المواجهة ضد الحوثيين، وأكدت أن الدفاع عن البلاد والعباد لا يكون بالسياسة ولا بالتصالح ولا بحفظ المال والرجال. وقد بدا ذلك الشر من صنعاء، ومن قبلها عمران، حيث الغول الذي لا يشفق على أحد. كان موقفهم واضحًا، ليس فقط في رفض السلوك الحوثي، بل في عدم المهادنة تحت شعار "لسنا الدولة، وعلى الدولة أن تقوم بواجبها في الدفاع". لقد كانوا مستبسلين في مقاومتهم، وأخذوا أماكنهم المعروفة في الدفاع والحرب، وهذا يحسب لهم أيضًا.
لقد تشكلت في مأرب نخب قبلية واجتماعية وسياسية وحزبية حددت موقفها، وأخذت قرارها برفض الانقلاب ومقاومته. وهذا ما حدث بالفعل، لتكون بعد ذلك مأرب مأوى أحرار اليمن من كل محافظة ومدينة وقرية. فمن لم تسعهم مطارحها للقتال، شملتهم بيوتها وأرضها كسكن وملجأ نفر إليه اليمنيون قاطبة وفيها ومنها تأسس الجيش الوطني.
إنها صورة من صور العز والكرامة يجب أن نقف عندها ونحميها من أي خدوش مفتعلة قد تسيء إلى مأرب وأهلها ورجالها. وأي فعل من بعض من يتولون دوائر قرارها اليوم بعيدًا عن عمق مشروعها ودفاعًا عن أنفسهم، نقول لهم: مأرب قلعة الصمود، اقرأوا في تضحيات الرجال ومسيرتهم، وتعرفوا طريقكم نحو بناء دولة واستعادة دولة، لأن قيامها منوط بتضحيات ومواقف كبارها.
ودمتم بخير.