آخر تحديث :السبت-13 سبتمبر 2025-09:33م

"المعلم مظلوم.. والتعليم على المحك"

الجمعة - 22 أغسطس 2025 - الساعة 04:37 م
جلال جميل محسن

بقلم: جلال جميل محسن
- ارشيف الكاتب


قبل حرب 2015، كانت عدن تعيش مسيرة تعليمية مستقرة ومنضبطة. لم نكن نسمع عن إضرابات ولا عن تعطيل الدراسة، ولم يكن أبناؤنا يترددون في الذهاب إلى مدارسهم كما هو حاصل اليوم. وكأنني أعود إلى تلك المرحلة أيام دراستي، حيث كان النظام التعليمي موحدًا: من الزي الرسمي الأبيض مع البنطلون الكاكي أو البني، إلى مواعيد الحضور المحددة، وصولًا إلى الطابور الصباحي الذي كان يبدأ بتلاوة آيات من القرآن الكريم، يليه حديث شريف وحكمة اليوم، ثم النشيد الوطني. وبعدها كنا ندخل إلى الفصول في أجواء يغلب عليها الاحترام والانضباط والنظافة.

كان المعلم آنذاك يتمتع بهيبته الخاصة، وأذكر جيدًا كيف كنا ننظر إليه باحترام كبير، لا نجرؤ على مقاطعته أو الاستهتار بكلامه. كان صوته يحمل وقارًا وهيبة تجعلنا ننصت بكل جدية، وكأن المدرسة لا تقتصر على المناهج الدراسية فحسب، بل كانت تعلمنا قيمًا أساسية مثل الانضباط، النظام، والاحترام المتبادل.

أما اليوم، فقد تبدلت الصورة تمامًا. تعطلت المدارس الحكومية بسبب الإضرابات المتكررة، وصار التعليم حلمًا بعيد المنال لمن لا يستطيع دفع الرسوم الباهظة للمدارس الخاصة. وهنا يبرز السؤال المؤلم: كيف لجيل كامل أن يواجه مستقبله في ظل هذا الانهيار؟

صحيح أن الناس يلقون باللوم على المعلم عند توقف الدراسة، لكن الحقيقة أن المعلم ليس الجاني، بل هو أول الضحايا. فهو مواطن بسيط، له أسرة وأطفال يحتاجون إلى قوت يومهم. كيف يُطلب منه أن يؤدي رسالته التعليمية بينما راتبه لا يكفي حتى لشراء الخبز؟ إن الإضراب الذي نراه اليوم ليس اختيارًا بقدر ما هو صرخة احتجاج ضد واقع ظالم.

اللوم الحقيقي يقع على الجهات المسؤولة التي أهملت التعليم ولم تجعل من رواتب المعلمين أولوية، بينما تهدر الأموال في أبواب أخرى لا تخدم المواطن ولا الطالب.

ومع ذلك، لا يمكن أن نقبل باستمرار هذا الوضع، لأن الخاسر الأكبر هم أبناؤنا الذين يضيع مستقبلهم بين معاناة المعلم وإهمال الدولة. ان الحل يكمن في معادلة واضحة: راتب عادل ومنتظم للمعلم مقابل استمرار العملية التعليمية دون انقطاع.

ان إنقاذ التعليم مسؤولية الجميع، من الدولة إلى رجال الأعمال والمجتمع المدني. ومن المقترحات العملية لذلك: تخصيص صندوق لدعم المعلم، وسَنّ قانون يلزم الدولة بعدم تأخير راتب المعلم تحت أي ظرف، حتى لا تتوقف العملية التعليمية. فالتعليم هو عماد أي أمة، وإذا انهار، انهارت معه القيم والأجيال القادمة.