آخر تحديث :الخميس-14 أغسطس 2025-11:55م

عدن… مدينة الأحلام تفقد وجهها الثقافي

الإثنين - 28 يوليو 2025 - الساعة 02:33 م
غمدان ابواصبع

بقلم: غمدان ابواصبع
- ارشيف الكاتب


عدن تلك المدينة التي تغنّى بها الأدباء في قصائدهم، وغنّاها الفنانون في أعذب ألحانهم، لم تغب عن أي بيت شعر، سواء كُتب سياسيًا أو وجدانيًا.

كانت عدن القصيدة، وكانت اللحن، وكانت الحلم الذي يراود كل من أراد وطنًا يشبه البحر والكرامة.


لقد وصفها القدماء بـ"ثغر اليمن الباسم"، وكان وصفًا لا يأتي من فراغ.

لم تكن عدن مجرد ميناء أو مدينة ساحلية، بل كانت مدرسة معرفية وثقافية، تحتوي في أعماقها كنوزًا تشكّلت من موقعها وتاريخها ووعي أبنائها.

من أزقتها خرج الفنانون الذين سكنوا ذاكرة اليمن، وبفنونها شرب الخليج وترعرع.


من مقاهيها برز الأدب الشعبي، ومن مقاعدها الخشبية تشكّلت نواة النخب السياسية والاجتماعية التي رسمت ملامح الحرية والثورة، ليس في الجنوب فقط، بل في كل ربوع اليمن.


لكن اليوم، يُطرح السؤال الكبير، المُرّ:

لماذا غابت عدن عن دورها الثقافي والأدبي والفني


من يمرّ بساحل أبين هذه الأيام، يدرك أن عدن الماضية قد توقفت عند عتبة الخراب.

يكفي أن تنظر إلى مبنى اتحاد الأدباء والكتاب، لتدرك حجم الفجيعة:

مبنى كان يعجّ بالأحاديث والقصائد والبيانات… أصبح اليوم خرابة صامتة، تتسلّق جدرانها الغبار والعزلة، في ظل غيابٍ مؤلم لوزارة الثقافة.


وزارة الثقافة؟

هي اليوم مجرد اسمٍ على ورقٍ رسمي.

فمنذ أن دُمجت بالإعلام، تلاشت كل ملامحها، وتحوّلت من حامية للهوية إلى مجرد إدارة تتبع جدول المهرجانات الرسمية.

لم تعد تمتلك مشروعًا ثقافيًا، ولا حتى تعريفًا للثقافة، رغم أن الثقافة هي الوعي، وهي المستقبل، وهي وطنٌ لا يُباع ولا يُستبدل.


كم هو محزن أن ترى أحد أبرز من أحيوا الفنون الشعبية في عدن،

يبيع سيارته وآلاته الموسيقية،لا ليفتتح مسرحًا جديدًا،

بل ليركب البحر… باحثًا عن لجوء إنساني في تركيا،

كما يفعل أشقاؤنا في الصومال.


صار لقمة العيش أثقل من القصيدة،وصار الفنان يبحث عن طوق نجاة،والمثقف صار غريبًا في مدينته.


نعم، حين يتولى قيادة الثقافة من لا يعرف الفرق بين المسرح والمذياع،

وحين يصبح القرار الثقافي في يد بيروقراطي لا يؤمن بالكلمة،

تكون النتيجة واضحة:فااقد الشيء لا يعطيه.


عدن لا تموت، لكنها تُنهك.تختنق تحت ركام الإهمال،

وتبحث عمّن يعيد لها صوتها وروحها.


فهل من عودة؟هل يعود الشعراء إلى مقاهيهم؟

هل يعود الفنانون إلى مسارحهم؟

هل تعود عدن كما كانت… مدينة تُحكى ولا تُنسى؟