آخر تحديث :الخميس-18 سبتمبر 2025-11:14م

المعركة الأخيرة قراءة تحليلية وكشف الحقائق المغيبة

الأحد - 27 يوليو 2025 - الساعة 10:42 م
عبدالواسع الفاتكي

بقلم: عبدالواسع الفاتكي
- ارشيف الكاتب




أثار الفيلم الوثائقي ( المعركة الأخيرة ) ، الذي بثّته قناة العربية ، وتناول اللحظات الأخيرة في حياة الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح ، جدلا واسعا وتفاعلات متباينة في الأوساط اليمنية ، بين من قرأ الفيلم في سياق مواقفه السياسية المسبقة من صالح ، وبين قلة نادرة حاولت التجرّد والانطلاق من معطيات الواقع الوطني بعيدا عن العواطف والانحيازات ، وفي ظل هذا السجال ، يبرز الفيلم كوثيقة تحاكي منعطفا حاسما في تاريخ اليمن الحديث ، وتطرح تساؤلات مؤلمة حول المسارات التي قادت إلى الكارثة ، وتلك التي يمكن أن تقود إلى الخلاص .


هناك من قرأ الفيلم من منطلق العداء المطلق أو التأييد المطلق لشخص صالح ، وهو ما جعل قراءتهم منحازة وغير موضوعية ، آخرون رأوا في الفيلم مناسبة للانتصار لروايتهم السياسية أو الأيديولوجية تجاه المرحلة ، فحوّلوه إلى ساحة لمحاكمة تاريخ الرجل ومواقفه ، لا لمحاكمة اللحظة الخطيرة التي يوثّقها الفيلم ، قلة من المتلقين تعاملوا مع الفيلم بموضوعيةو، وحاولوا فصله عن الانقسامات السياسية السابقة ، وقراءته كنداء وطني يدعو لمراجعة وتقييم الماضي الذي صنع هذا الحاضر البئيس .


بعيدا عن الاصطفافات قدم الفيلم ، ثلاث حقائق رئيسية ينبغي الوقوف أمامها بعمق : الحقيقة الأولى : خطورة المشروع الحوثي واستحالة التعايش معه ؛ إذ أكد الفيلم بوضوح ، أن جماعة الحوثي لا عهد لها ولا ذمة ، وأنها تستغل أي تقارب أو تهدئة فقط لتقليل كلفة المواجهة ، وتستخدم التحالفات المؤقتة كاستراحة محارب لا أكثر ، كما أوضح الفيلم أن المليشيا الحوثية لا تقبل بأي شريك حقيقي ، ولا يمكن أن تتعايش مع أي مشروع وطني يؤمن بالجمهورية والديمقراطية ولو بالحد الأدنى .


الحقيقة الثانية التي كشفها الفيلم الوثائقي هي أن أي وهم بإمكانية تقاسم السلطة أو الوطن بين المشروع الحوثي السلالي الطائفي والمشروع الجمهوري الوطني هو خداع للذات. ، فلا يمكن أن تتعايش الجمهورية اليمنية مع مشروع طائفي إيراني الولاء والمذهب ، قائم على الاصطفاء السلالي ، أما الحقيقة الثالثة التي أكد عليها الفيلم هي خطر الرهان على التعايش أو التحايل مع الحوثيين ، حيث وجه الفيلم رسالة واضحة للقوى السياسية والاجتماعية اليمنية بأن الرهان على المراوغة السياسية مع الحوثيين أو تأجيل المواجهة ، أو حتى تخادم المصالح ، هو رهان خاسر ، فالمليشيات الحوثية لا تسمح بوجود صوت يعلو على صوتها ، ولا يمكن أن تتيح مجالا للحقوق السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لليمنيين خارج مشروعها القهري .


رسائل عدة يبعث بها الفيلم اولاها أن اللحظة اليمنية الحرجة تفرض على الفرقاء الوطنيين تجاوز خلافاتهم ، وألا يجعلوا منها مرجعية لتحليل كل حدث جديد ، وأن تكرار استحضار الخلافات القديمة وتوظيفها لتصفية الحسابات السياسية يبدد الطاقات ، ويمنع توحيد الصف الجمهوري ، وأن على القوى الوطنية أن تفتح ذراعيها لكل من يريد تصحيح مساره ، وأن تتيح المجال لمن يريد التوبة الجمهورية والانخراط في مشروع إنقاذ الوطن ، وأن المشروع الحوثي لا يمكن أن يهزم إلا عبر جبهة وطنية عريضة ، تتجاوز الانقسامات المناطقية والحزبية ، وتعيد الاعتبار للجمهورية كهوية جامعة ، وأن استمرار الخلافات والنزعات الانتقامية هو ما وفر البيئة الحاضنة لتمدد الحوثيين في الأساس .


إن ما طرحه الفيلم ليس مجرد سرد درامي، بل شهادة على مرحلة مفصلية ومفتاح لفهم مأساة اليمن ، الرسالة الأهم التي يمكن استخلاصها من الفيلم هي أن لا خلاص لليمن إلا بتكاتف القوى الوطنية خلف مشروع جمهوري جامع ، وأن لا مجال للمناورة أو التقية السياسية مع جماعة تؤمن بأن الحكم حق حصري لسلالة ، وأن على اليمنيين أن يخضعوا لها أو يبادوا .


إنّ المعركة الحقيقية اليوم ليست مع الماضي ولا مع الأشخاص ، بل مع مشروع طائفي إمامي ، لا يؤمن إلا بالعنف والسيطرة والوصاية ؛ لذلك فإن استعادة اليمن تبدأ من لحظة صدق مع الذات ، ومواجهة واضحة مع العدو الحقيقي : الحوثية السلالية.


عبدالواسع الفاتكي