آخر تحديث :السبت-12 يوليو 2025-04:58م

المحضار وعبقرية .. في كلماتة الشعرية لقصيدة مغناة طارت من ايدك .

السبت - 12 يوليو 2025 - الساعة 06:37 ص
مازن حنتوش

بقلم: مازن حنتوش
- ارشيف الكاتب


........................................

✦ التحليل الفني للنص ✦


طارت من إيدك


يحمل العنوان نبرة حسرة وتأنيب، وكأنه يختصر مأساة الفقد والندم، وهو تعبير دارج يلامس الوجدان الشعبي، يدل على الفرص الضائعة التي لا يمكن استعادتها. بينما كانت

البنية الشعرية والأسلوب في هذه القصيدة فريدة .


اللغة والأسلوب :-


القصيدة مكتوبة باللهجة العامية الحضرمية اليمنية، وهو ما يُضفي عليها طابعًا عاطفيًا شعبيًا قريبًا من المتلقي. تميز الأسلوب بالتلقائية والصدق، إذ تخاطب النفس العاشقة التي لا تزال تتعلق بمن لا يقدّر الحب، وفي الوقت نفسه تحثّها على اليقظة والكرامة وتتميز في

البناء الفني والموسيقي

استخدم الشاعر قافية موحّدة في أغلب الأبيات (مثل: "يفيدك، يريدك، تريده، عقلك، يذلّك")، مما منح القصيدة توازنًا موسيقيًا جذّابًا متميزآ جدا .


نلاحظ هنا تكرار عبارة "ساير زمانك بشيش بشيش" ثلاث مرات في نهاية كل مقطع يشبه اللازمة أو "الردّة"، ما أعطاها بعدًا غنائيًا، وربما كان النص في أصله أغنية أو قابلًا للتلحين.

فالتحليل الدلالي والموضوعي في المقطع الأول:


طارت من إيدك... بالله عادك تريده ليش؟

هنا نبرة توبيخ وشعور بالفقد، كأن الشاعر يخاطب شخصًا لا يزال يتشبث بمن لا يستحقه، فيدعوه إلى التخلّي والتحرّر من وهم الحب المهدور. تبرز معاني الحسرة والوعي المتأخر.

ونلاحظ المقطع الثاني:


ارجع لعقلك... اصحى يذلّك

نقلة من التوبيخ إلى التنبيه. الشاعر يستخدم نبرة صارمة، فيها دعوة للرجوع إلى العقل والتخلّي عن الانقياد العاطفي الذي يورث الذل والطيش والمهانة . تظهر في هذا المقطع فلسفة رفض الخضوع في الحب مهما كان حجم العلاقة .

وبالتالي يشرح الشاعر في المقطع الثالث:


من عزّ نفسه... ياخذ ويعطي ويدفع كيش

رسالة قوية في تمجيد عزّة النفس والكرامة. لا مكان للذل في الحب الحقيقي مهما كان . "ياخذ ويعطي ويدفع كيش" تصوير للحب الناضج المتوازن الخالي عن العاطفة الطائشة و الذي يقوم على التكافؤ، لا المهانة.

اما هنا وضع الشاعر المحضار اوزارة في مقطع الرابع:


الحب وحلّه... فيش الذي شفت منه فيش؟"

في هذا المقطع يعود الشاعر لوصف تقلبات الحب مثل تقلبات العملة، وكم من العذاب سببه، ويختم المحضار الشاعر المخضرم بسخرية مبطّنة: "فيش الذي شفت منه فيش؟"، وكأن كل الوعود كانت فارغة، لا قيمة لها، مثل بطاقة دفع فاشلة او شيك بدون رصيد ..


الرموز والدلالات في قصيدة المحضار

"طارت من إيدك": رمز للفرص المهدورة وكثرتها والحب الذي لم يُحسن التمسّك به والتفريط به وعدم الاهتمام المفتعل .


"ساير زمانك بشيش بشيش": دعوة للحذر والتروّي، تشير إلى التعامل ببطء وحكمة مع الواقع.


"يذلّك... الطيش": تصوير درامي لانحدار العلاقات العاطفية السامة.


"فيش": استخدام عصري يعكس جيلًا يفكر بلغة الحياة اليومية، ومؤلم حين يُقارن الحب بجهاز لا يعمل.

المحضار ليس بشاعر فقط بل ملهم في الشعر النقدي .


هذه القصيدة ليست مجرد شكوى من حبيبٍ غادر، بل هي صرخة وعي وتحفيز للكرامة. الشاعر ينتصر للعقل والكرامة على حساب العاطفة العمياء. المزج بين التوبيخ، التوجيه، والنصح بأسلوب شعبي رشيق ناعم جعل النص قريبًا من النفس، غنيًا بالمعاني مدجج بالمشاعر ، وقابلًا للغناء أو التمثيل الدرامي مستخدم اوصاف مرئية لكل شرائج المجتمع البسيط .