آخر تحديث :السبت-12 يوليو 2025-04:58م

مُدمّر اليمن ومضيّع اليمنيين1

الأربعاء - 09 يوليو 2025 - الساعة 09:55 م
محمد أحمد بالفخر

بقلم: محمد أحمد بالفخر
- ارشيف الكاتب


محمد احمد بالفخر

لم أجد أنسب من هذا العنوان أبدأ به حديثي عن هذه الشجرة الخبيثة التي ابتلي بها معظم اليمنيين حوالي 90% من ذكورهم و70% من إناثهم حسب تقارير منظمة الصحة العالمية، والتي أصبحت مسيطرة على عقولهم ومستنزفة لمدّخراتهم المالية ومضيعة لأخلاقهم وقيمهم إلاّ من رحِمَ ربي.

وحقيقة الأمر أنّ هذه الشجرة ليست يمنية الأصل كما تقول كثير من الروايات والتي تؤكد أنه قد تم جلبها الى اليمن من أرض الحبشة أي أنها لم تكن معروفة في الأرض اليمنية، حالها كحال الأقوام والثقافات الوافدة،

فبالتالي هي شجرة دخيلة على اليمن أدخلت لأسباب متعددة اختلفت حولها الروايات،

منها أن بعض اليمنيين الذين كانوا متواجدين في الحبشة أحضروا معهم شتلات القات وزرعوها في اليمن على نطاق ضيق وأن أوّل من استخدمه كانت الفرق الصوفية كمشروب وليس مضغ وتخزين.

وهناك رواية أخرى تقول أنّ أوّل من أكتشف هذه الشجرة كان تيساً من الماعز، الذي كان ينفرد عن قطيع الأغنام ويذهب لتلك الشجرة الملعونة ويعود منتشياً، فلاحظ راعي الأغنام وهو القريب من غنمه ذلك الأمر فتبعه في بقية الأيام وشاهد تلك الشجرة الفريدة التي يقتات التيس منها، فأعجبت الراعي وأخذ هو يتذوقها غصناً يتلوه غصن حتى امتلأ شدقه فاسترخى وطاب له المذاق،

وبعد أن عاد مع القطيع الى القرية أخبر الناس عن هذا الاكتشاف الخارق، فهناك من سخر منه ولم يصدّقه وهناك من صدّقه وذهب معه إلى المرعى فاستحوذ عليهم شيطان تلك الشجرة الخبيثة فأقنعوا الآخرين بتذوق وريقات تلك الشجرة المنعشة العجيبة،

ثم بدأت تنتشر تلك القصة من قرية الى أخرى وذاع صيتها عند القاصي والداني،

وهنا نتوقف عند هذه الحالة اللطيفة وهي أن التيس الغير مُكلّف في الحياة هو المكتشف لهذه الشجرة فكيف لإنسان عاقل خلقه الله مميزاً عن سائر مخلوقاته يتبع سلوكيات تيساً من الحيوانات.

والشيء بالشيء يذكر طالما جئنا على ذكر التيس فلن نتركه وحيداُ دون سائر الحيوانات،

يذكر أنه بعد انتشار زراعة هذه الشجرة التي احتلت مكان شجرة البن اليمانية الشهيرة واشجار الفواكه التي لا تجد نظير لطعمها ولذتها مقارنة بالفواكه المزروعة في بقية أقطار العالم،

لاحظ مزارعو القات أن الأشجار التي على حافة الطرقات تتعكّر بالتراب الذي تنثره عليها الحمير المارّة وأنها تُزين وتصير ذات جودة أفضل من تلك التي لا يأتيها الغبار المتناثر من حركة الحمير،

وكنت في زيارة ذات مره في احدى المناطق مع شيخ فاضل من نفس المنطقة وشاهدنا مزارع نبتة القات فيها صغيرة وليست كبقية الأشجار الكبيرة فذكر أن هذا الصنف هو من أجود أنواع القات لأن الكلاب تمر فوقه وغالباً ما تتبول على تلك النبتات الصغيرة في تجوّلها جيئة وذهاباً فيجعل منها نبتة ذات طعم خاص وجودة عالية حسب قول الشيخ والعهدة على الراوي،

فأصبحنا بين ثقافة التيوس المكتشفة وغبار الحمير المتناثرة التي تزيّن المنتوج المكتشف وبول كلابٍ ضالّة تعطيه علامة الجودة الفائقة،

فهل لنا من العقول ما يعيدنا الى جادة الصواب؟!

وبعد أن توسعت زراعة شجرة القات وكثُر متعاطيه لكنه ظل محصوراً في علية القوم كطبقة الحكام ومن دار في فلكهم وكان في ذلك الوقت لا يتم تعاطيه غالباً إلا في المناسبات الأفراح والأتراح.

وتقول بعض الروايات أن طائفة المكارمة (الإسماعيلية) في ذلك الوقت قد ساهمت بانتشاره بين افرادها وتوسّعت في شراء الأراضي وتحويلها مزارع للقات، وما أظنّها إلاّ أنّ لها أبعاداً سياسية جرّا ذلك الفعل،

ويحسب للعثمانيين الأتراك كما تقول بعض الروايات أنهم كانوا من أشدّ المحاربين لهذه الشجرة الخبيثة وقد قاموا بحرق الكثير من المزارع في فترات حكمهم لليمن،

وظلّ الانتشار محدوداَ في تلك الفترة وحتى قيام ثورة سبتمبر والتي كان يفترض أن يكون من أولوياتها محاربة هذه الشجرة على اعتبار أن أكثر متعاطيها من طبقة النظام الامامي الذي أسقطته الثورة وبدلاّ من التركيز على أنه نمط من أنماط النظام السابق وحاشيته إضافة الى أنه من مظاهر التخلف التي كان ينبغي على الثورة محاربتها كانت المفاجأة الكبرى حدوث الانتشار السريع لزراعة القات ورخص ثمنه وأصبح في متناول الجميع للأسف الشديد.

وللحديث بقية..