تخيل مشهدًا سياسيًا يضم تحالفًا غير متوقع بين إيلون ماسك وباراك أوباما: الأول رمز الابتكار والاختراق التكنولوجي، والثاني رمز الخطاب الأخلاقي والسياسي المتزن. رغم تباين الخلفيات، إلا أن تقاطعًا كهذا قد يكون أشبه بزلزال سياسي ناعم، يهزّ بنية الانقسام التقليدي ويطرح على الأمريكيين بديلاً غير مسبوق.
أوباما، رغم ابتعاده الرسمي عن السياسة اليومية، لا يزال يتمتع بشعبية واسعة، وتأثير في الأوساط التقدمية والمستقلة. وماسك، وإن كان مثيرًا للجدل، فهو قادر على تحريك الشارع، وتوظيف أدوات التأثير الرقمي والاقتصادي لصالح مشروع واسع التأثير.
إذا وُجدت أرضية مشتركة بينهما، قائمة على قيم مثل: العدالة، الابتكار، المسؤولية الأخلاقية، واستقلال القرار السياسي عن اللوبيات التقليدية، فإن ذلك قد يشكّل نواة لتحالف تاريخي يعيد تعريف مركز الثقل السياسي في أمريكا.
هذا التحالف - إن حصل - لن يكون مجرد شراكة رمزية، بل قد يتحول إلى مشروع جامع يستقطب الجيل الجديد من الأمريكيين، المتعب من السياسة القديمة، والمتعطش لصوت عقلاني، تقدمي، تكنولوجي، وأخلاقي في آن.
إيلون ماسك وثورة ما بعد الحزبية: ملامح مشروع سياسي جديد في أمريكا
في ظل تصاعد حالة الاستقطاب السياسي داخل الولايات المتحدة، وتعاظم مشاعر السأم الشعبي من الثنائية الحزبية التقليدية التي يتقاسمها الحزبان الديمقراطي والجمهوري، يبرز سؤال جوهري: هل يمكن لشخصية مستقلة ذات تأثير شعبي وتكنولوجي عالمي مثل إيلون ماسك أن تُطلق مشروعًا سياسيًا جديدًا يفتح أفقًا مغايرًا، أخلاقيًا وفكريًا، لما عرفته أمريكا لعقود طويلة؟
ربما لم يشهد التاريخ السياسي الأمريكي الحديث شخصية مثل ماسك تجمع بين الحضور الجماهيري الواسع، والتأثير الاقتصادي العالمي، والقدرة على التأثير في الرأي العام عبر أدوات التواصل الحديثة، خاصة منصة "إكس" التي يملكها (تويتر سابقًا). لكن الأهم من كل ذلك هو أن ماسك يمثل - بوعيه أو دون وعي - نقطة التقاء بين رؤى ما بعد الحداثة التكنولوجية وبين تطلع قطاعات من الأمريكيين إلى تجاوز الانقسام الحزبي الحاد.
ما الذي يمكن أن يغيّره ماسك؟
إذا استطاع ماسك أن يستطلع منطلقات جديدة، تنبني على قيم أخلاقية أكثر إنسانية وعدلاً، وتنأى عن إرث الحزبيين التقليديين الذين غالبًا ما تحكمهم الحسابات الانتخابية والولاءات الضيقة، فإنه قد يُحدث بالفعل ما يشبه ثورة ناعمة في المشهد السياسي الأمريكي. ليس ثورةً بالمعنى العنيف، بل تحولًا جذريًا في طريقة التفكير، والتمثيل، وصياغة الأولويات.
شروط نجاح هذا التحول
لكن هذا المسار ليس مضمونًا، بل يتطلب تحقق عدة شروط، أبرزها:
1. التحالف مع شخصيات ذات مصداقية وخبرة: مشروع كهذا لا يمكن أن ينجح إن كان قائمًا على الفرد فقط، مهما بلغت شعبيته. هناك حاجة إلى أسماء مرموقة لها جماهيرها، وخبرة سياسية وفكرية، وسمعة في الاستقلال عن المنظومة التقليدية. هؤلاء يمكنهم التنظير لمضامين المشروع، وتأمين توازنه الفكري والتنظيمي.
2. إنتاج خطاب أخلاقي جديد: لا يكفي الانتقاد، بل لا بد من تقديم رؤية واضحة ومتماسكة حول قضايا مركزية مثل العدالة الاجتماعية، العلاقة بين التكنولوجيا والإنسان، مستقبل البيئة، مكانة أمريكا في العالم، وقضايا الحقوق والحريات. يجب أن يكون الخطاب أخلاقيًا بعمق، لا مصلحيًا بواجهة أخلاقية.
3. تنظيم تيار سياسي يتجاوز الفرد: من المهم الانتقال من التأثير الإعلامي إلى البناء التنظيمي: حركات، منصات، شبكات دعم، آليات ديمقراطية داخلية. لا يمكن لمشروع عابِر للحزبية أن ينجح دون أساس تنظيمي متين.
4. التعامل الذكي مع الإعلام والاستقطاب: الإعلام الأمريكي بعمومه مسيّس، ويميل إما لليسار أو اليمين. اختراق هذا الحصار الإعلامي سيكون معركة بحد ذاته، تتطلب ذكاءً استراتيجيًا وتحالفات واسعة مع الإعلام البديل والمجتمع المدني.
هل إيلون مستعد للعب هذا الدور؟
حتى الآن، يتأرجح ماسك بين نقده للمنظومة القائمة وعدم تقديم بديل واضح ومنظم. في كثير من الأحيان، يبدو خطابه أقرب إلى الاستفزاز منه إلى الرؤية العميقة. لكنه - دون شك - يمتلك أدوات القوة والتأثير التي تخوّله أن يكون محركًا لمشروع سياسي جديد إن هو قرر أن ينتقل من موقع المعلق إلى موقع الفاعل.
أخيرا
في لحظة سياسية تعاني فيها الديمقراطية الأمريكية من التكلس، والجمود، وغياب الخيال السياسي، فإن انبثاق تيار جديد على يد شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، قد يشكل فرصة لإعادة تعريف السياسة على أسس أكثر أخلاقية، تكنولوجية، واستقلالية. وإذا ما تحقق ذلك، فإننا لن نكون أمام مبادرة عابرة، بل أمام ملامح ثورة فكرية وسياسية حقيقية في قلب أمريكا.