آخر تحديث :السبت-12 يوليو 2025-04:58م

فلسطين.. حل العودتين... لا حل الدولتين

الأحد - 06 يوليو 2025 - الساعة 10:19 ص
احمد سالم فضل

بقلم: احمد سالم فضل
- ارشيف الكاتب


بقلم: أ. أحمد سالم فضل


في غمرة الحديث الدولي عن "حل الدولتين" كخيار لإنهاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، يبدو أن الزمن قد آن لطرح بديل أكثر جذرية وعدالة، يستند إلى تفكيك الأساطير المؤسسة للصهيونية، ويعيد الاعتبار للحقوق التاريخية والإنسانية للشعب الفلسطيني. ذلك البديل هو: "حل العودتين" – عودة اليهود إلى أوطانهم الأصلية، وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها.


إن جذور المأساة في الشرق الأوسط لا تقتصر على تأسيس المشروع الصهيوني وحده، بل تمتد إلى ما هو أعمق: الخلط الكارثي بين الدين والسياسة والجغرافيا، الذي صاغته بعثات الاستشراق الغربية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وأدى إلى تشويه الوعي الغربي بتاريخ المنطقة، وتبرير مشاريع استعمارية مدمّرة.


يُشير المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه الشهير الاستشراق (1978) إلى أن


> "الاستشراق أسلوب غربي للهيمنة على الشرق وإعادة تشكيله وإدارته"،

وهو ما اتضح بجلاء منذ عام 1897، مع انطلاق "المنظمة الصهيونية العالمية" بقيادة تيودور هرتزل، الذي دعا في كتابه الدولة اليهودية إلى إقامة كيان لليهود في فلسطين، مستندًا إلى سرديات دينية لا علاقة لها بالواقع الديمغرافي أو التاريخي للمنطقة.



ومع بداية القرن العشرين، التقت الصهيونية السياسية مع التيارات المسيحية الأصولية في أوروبا، والتي نظرت إلى "عودة اليهود إلى صهيون" كتحقيق لنبوءات توراتية، وهو ما جعل من المشروع الصهيوني "حربًا مقدسة" مموّلة بالقوة والغزو والدعاية.


يرى المؤرخ الإسرائيلي شلومو زاند في كتابه اختراع الشعب اليهودي (2008) أن


> "القومية اليهودية الحديثة قامت على أسطورة كاذبة، مفادها أن هناك شعبًا يهوديًا واحدًا يعود تاريخه إلى مملكة داوود القديمة"،

وهو طرح فنده علم الآثار والديموغرافيا، وأكد زيفه التاريخي.



أما نكبة عام 1948، فليست مجرد نتيجة لحرب، بل كانت حملة تطهير عرقي ممنهجة، كما وثّق المؤرخ إيلان بابيه في كتابه التطهير العرقي في فلسطين (2006)، حين قال:

> "ما جرى لم يكن هروبًا جماعيًا عفويًا، بل طردًا مخططًا باستخدام المجازر والترهيب بهدف إفراغ الأرض من سكانها الأصليين."


ومن هنا، فإن "حل الدولتين" لا يُعد حلاً حقيقيًا، بل شرعنة للتقسيم، واعتراف بكيان تأسس على النكبة والاقتلاع. فالدولة الفلسطينية التي يُروّج لها ليست سوى شظايا جغرافية، بلا سيادة ولا حدود حقيقية، ولا حق في القدس ولا في العودة.


في المقابل، فإن "حل العودتين" يستند إلى المبادئ التالية:


أولًا: أن يهود أوروبا الذين هاجروا إلى فلسطين، تحت ضغط أيديولوجيات دينية أو عنصرية، لهم الحق في العودة إلى بلدانهم الأصلية، كمواطنين أوروبيين يتمتعون بحقوقهم الكاملة.


ثانيًا: أن اللاجئين الفلسطينيين، والبالغ عددهم اليوم أكثر من 6 ملايين، لهم الحق الشرعي والقانوني في العودة إلى قراهم ومدنهم، وفق ما نص عليه القرار الأممي رقم 194.


ليس هذا الطرح ضربًا من المثالية، بل استعادة للعدالة التاريخية، ورفضٌ للمنظور الاستشراقي الذي لا يزال يُهيمن على تصور الغرب للصراع، بوصفه "نزاعًا بين طرفين"، بينما هو في حقيقته مشروع استيطاني اقتلاعي، لا يمكن أن يُعالَج بأنصاف الحلول.


يقول الفيلسوف برتراند راسل في كتابه الحرب والسلام (1957):


> "حين يتداخل الإيمان الديني مع الطموحات القومية، تكون النتيجة حروبًا مقدسة لا تعرف نهاية."

وهذا بالضبط ما نشهده اليوم في فلسطين.


إن إعادة النظر في طبيعة الصراع، وفي جذوره الفكرية والاستشراقية، تمهّد لوعي جديد، يرى في "حل العودتين" ليس فقط استردادًا للحقوق، بل أيضًا تصحيحًا لمسار تاريخي جرى تزويره لعقود، على حساب أمة كاملة.


مراجع:


1. إدوارد سعيد، الاستشراق، 1978.


2. تيودور هرتزل، الدولة اليهودية، 1896.


3. شلومو زاند، اختراع الشعب اليهودي، 2008.


4. إيلان بابيه، التطهير العرقي في فلسطين، 2006.


5. برتراند راسل، الحرب والسلام، 1957.


6. قرار الأمم المتحدة رقم 194، 1948.