بيننا مسافة لا تُقاس بالأميال، بل بالعقول ،
أنتم عالقون في زمن تحكمه الظنون، وأنا أمضي في زمن تصقله المعرفة، تنحته التجارب، وتضيئه الشكوك التي تقود إلى اليقين ...
أنتم تضعون عقولكم على رف الخرافة، وتؤدّون طقوس التبعية كأنها عبادة، وتسبّحون بحمد سلالةٍ تدّعي أنها ظلّ الله على الأرض، بينما الله نفسه حرّر الناس من كل ظلٍّ إلا ظله، ورفعهم بالكرامة والعقل، لا بالنسب والمزاعم.
نحن لا نركع إلا لواحد، ولا نقدّس إلا من يستحق، ولا نُقيم وزناً لعمامةٍ تخفي وراءها الجهل، وتستبد باسم السماء لتنهب الأرض.
أنتم تعيشون في عصور الغبار، حيث الفتوى تقطع الرقاب، وحيث الكتاب يُحرق إن لم يُكتب بحبر الولاء، حيث المآذن تئن منكم، والمساجد تُغلق في وجه من لا يُجيد التسبيح باسم سيّدكم.
أما نحن، فنتنفس الحرية حتى في أقسى لحظات الحصار، نحمل فكرًا لا تُقيّده الزنازين، وقلوبًا لم تذبل رغم الغياب، وسلاحًا لا يُوجّه إلا ضد الظلم.
أنتم تمشون في أثر الخرافة، تحفرون قبور الجيل القادم بأدوات الماضي، تقتاتون من أساطير الولاية كما يقتات الفأر من الحطام.
أما نحن، فنمضي في ضوء الفهم، نقرأ التاريخ كي لا نعيد مآسيه، ونتعلّم من أخطائنا لا لننحني، بل لننهض.
أنتم تسجنون الحرية خلف قضبان الطاعة العمياء، تلوّنون الدين بلون السياسة، وتختبئون خلف شعارات كاذبة، تُتاجرون بالقداسة لتغتصبوا السيادة.
أما نحن، فنؤمن أن الوطن لا يُبنى بالحقد ولا بالسلالات، بل بالعدالة.
وأن الشهادة ليست بطاقة عبور إلى سلطةٍ دنيوية، بل تذكرة لحياةٍ يخلّدها الناس بالحب، لا بالخوف.
في الوقت الذي ترفعون فيه صور قياداتكم على الجدران، نرفع نحن أسماء الشهداء في قلوبنا.
وفي اللحظة التي تُبرّرون فيها القتل باسم الحق الإلهي، نعرف نحن أن الله لا يرضى بالدم المهدور، ولا بالحرمان، ولا بالعبودية الجديدة.
بيننا مسافة لا يُمكن لجسر الكذب أن يربطها، ولا لسلام هشّ أن يُرممها.
أنتم تقاتلون لتُبقوا السلسلة مشدودة على رقاب الناس، ونحن نقاتل لنكسرها، مرةً وإلى الأبد.
أنتم مشروع موت، ونحن مشروع حياة.
- محمد السعدي