عندما يخرج رئيس دولة بتصريح يقول فيه: إنه نقل طائراته من مطاراته التي يسيطر عليها إلى مطارات خصمه، فهذا يدل على ضعف في قيادة هذا الرئيس لبلده، فالرئيس العليمي أكد في تصريحه أنه هو من اتخذ قرار إرسال الطائرات الأربع التابعة للخطوط الجوية اليمنية إلى مطار صنعاء، وذلك تحت تهديد وضغط جماعة الحوثي المصنفة بأنها إرهابية، فهل هذا التصرف هزيمة سياسية أم حكمة يمانية أم تخادم لا يعلمه إلا السيد الحوثي والرئيس العليمي؟
هذا التصريح وإن كان صريحًا وواضحًا، إلا أنه يضع تساؤلات متعددة حول مفهوم السيادة الوطنية عند الرجل، فكيف لو طلب الحوثي من العليمي الطلوع إلى دار الرئاسة في صنعاء وهدده إذا لم يطلع فإنه سيقصف قصر المعاشق؟ فهل سيلبي العليمي الدعوة ويرسل نوابه ويلتحق بهم خوفًا من تهديدات خصمه الحوثي كما فعل بطائرات اليمنية؟
يعتبر تصريح رئيس الجمهورية تصريحًا يترجم حالة الضعف التي تعيشها الشرعية أمام جماعة إرهابية تمتلك مخزون دولة من الأسلحة والخبراء، وتحمل بداخلها دولة عميقة، فهذا التصريح يعتبر ضربة قاضية للدولة التي يمثلها الرئيس العليمي، فتلك التصريحات غير مسبوقة في الخطاب السياسي اليمني ولا في غيره من خطابات الساسة في مختلف بلاد العالم بل أنه يمثل انبطاحًا سياسيًا أمام جماعة إنقلابية ومصنفة إرهابية.
ما يدور اليوم هل هو تخادم أم سياسة مفصلة من الخارج أم حكمة مغلفة بما يشبه الضعف؟ وهل التهديدات التي يطلقها الحوثي ليس لدى الشرعية سبل للدفاع عن نفسها ومطاراتها؟ وإن لم يكن لديها القدرة للدفاع عن نفسها، فبأي صفة تقف حاملة لهذه السلطة في هذا البلد الذي يعيش حالة من الصراع الهلامي وغير المفهوم؟ ما هي هذه القوة الخفية التي يمتلكها الحوثي التي تجعل مؤسسة الرئاسة تتنازل بهذه السهولة؟ وما هي الرسالة التي ستصل إلى المواطن، وإلى العالم عندما يعترف الطرف الذي يمثل الدولة والشرعية بأنه خضع لتهديدات جماعة إرهابية إنقلابية؟
إن هذا الاعتراف من رجل الدولة الأول يُضعف الموقف السياسي للشرعية اليمنية أمام المجتمع الدولي، ويعزز موقف الجماعة الإنقلابية في أي مفاوضات قادمة.
إن مثل هذه المواقف المنبطحة لا تؤثر فقط على توازن القوى في الداخل، بل تتعداه إلى الاصطفاف الخارجي بالنسبة للمعنيين بالحل في اليمن، وتُضعف أوراق التفاوض المستقبلية التي قد تحتاجها الحكومة الشرعية في لحظة حسم أو تسوية قادمة.
لقد مثل تصريح العليمي صفعة قوية للشرعية على وجهها، فهو يصف حالة الضعف التي تعيشها الشرعية أمام تماسك جماعة إنقلابية، ولكنها على ما يبدو تمتلك القوة التي تستطيع من خلالها إرغام الشرعية على الرضوخ لأي حلول مستقبلية.
ما تحتاجه الشرعية اليوم ليس مزيدًا من التشكيلات العسكرية، فما لديها من تلك التشكيلات العسكرية كافية لإرغام الجماعة الإنقلابية على الاستسلام، فالشرعية بحاجة ماسة أن تكون النوايا صادقة ومخلصة لهذا الوطن، وبحاجة أكثر لتوحيد الهدف ألا وهو تطهير الوطن من بقايا الإنقلاب المليشاوي، وأن تذوب كل الأجندات والمشاريع الصغيرة في الهدف الأسمى ألا وهو عودة الدولة، وتطهير البلاد من الإنقلاب الذي مزق البلاد وشتت مقدرات الدولة.