في زمنٍ كثرت فيه المزايدات وتغيّبت فيه الحقائق خلف ستائر الاحتفالات والعروض، يخرج علينا الزميل المخضرم علي منصور مقراط بلغة لا تُجامل، وقلمٍ لا يرتعش، لينقل لنا مشهدًا عسكريًّا من قلب العاصمة المؤقتة عدن، مشهدًا حاول البعض تسويقه كإنجاز عابر للحدود، بينما الحقيقة المؤلمة لا تزال قائمة: غياب الدولة واستمرار تفتيت المؤسسة العسكرية.
لقد كتب مقراط مقاله الأخير عن حفل تخرج الدفعة الثانية من الضباط الجامعيين في الكلية الحربية بعدن بلغة المحترف النزيه، ونقل الصورة بتفاصيل دقيقة تُحسب له، لا عليه. هو لم يتحدث عن زفة علاقات عامة، بل عن جهد حقيقي في إعادة الروح إلى صرح عسكري عريق لطالما عانى الإهمال، وصودرت روحه الوطنية لحساب أجندات مناطقية وسياسية لا تخدم لا الوطن ولا الجيش.
تحية لمقراط، لأنه لم يكتفِ بالرصد، بل وجه رسالة مبطنة لكل من يهمه الأمر:
– أن الإنجاز الحقيقي لا يُقاس بعدد الصفوف المنتظمة في العرض، بل بقدرة هؤلاء الخريجين على الالتحام بمؤسسة وطنية موحدة، ذات عقيدة قتالية جمهورية، وليس تشكيلات متناحرة الولاءات.
– أن الغياب الفاضح لوزراء الحكومة في هذا الحدث ليس مجرد إهمال بروتوكولي، بل انعكاس لفراغ سيادي وشلل إداري مزمن في مفاصل الدولة.
– أن إعادة إحياء الكلية الحربية واجب وطني وليس منّة من وزير أو طرف سياسي، بل من صلب مهام وزارة الدفاع، التي للأسف لم تتحرر بعد من عقلية التبعية والانقسام.
لقد أحسن مقراط في سرد الأسماء، لكنه أيضًا ذكّرنا – عن قصد أو بدونه – أن عدن باتت ساحة لعروض لا توازيها مسؤوليات، ولشعارات لا تترجم إلى سياسات دفاعية متكاملة. ومع هذا، فإننا لا نقلل من جهد الكلية وقيادتها، بل نضعه في سياقه الصحيح: خطوة في طريق طويل ومضنٍ نحو استعادة جيش الوطن، لا المليشيات والكانتونات.
وختامًا،
أقولها من القلب:
إذا كان هناك من يستحق التقدير بعد هذا الحدث، فهم جنود الكلية الحربية بصلاح الدين، ومدربوهم، وضباطهم، وأيضًا إعلاميّون شرفاء من أمثال الإعلامي الحر علي منصور مقراط، الذي ظل صوته مدوّيًا في زمن الصمت والخوف والانبطاح.
تحية للصدق.
تحية للوطن.
وتحية لكل قلم لا يُشترى.
اللواء الركن/ سعيد محمد الحريري