آخر تحديث :الأحد-15 يونيو 2025-12:04ص

اليمن ما بعد الحرب.. حربّ أخرى ( ج٣).

السبت - 17 مايو 2025 - الساعة 05:26 م
د.باسم المذحجي

بقلم: د.باسم المذحجي
- ارشيف الكاتب


حربّ أخرى ..الجماعات الإسلاموية التي تُوظّف الدين في السياسة هي حركات أيديولوجية بامتياز، وسنبدأ في مستهل هذا العمل ،بصدام مباشر حقيقي وفق قراءات الحالة اليمنية ،و عليه نوجه دعوة للجامعات اليمنية، ومختلف مراكز الأبحاث والدراسات ،بأن تُثري دراسة الأيديولوجيا ذات الطابع البراغماتي ، وخصوصًا" الهيمنة الناعمة "،وتعلن عن جوائز لأفضل عمل بحثي عن الأيديولوجيا في الجمهورية اليمنية، كيف نهزمها؟ مبنية على فكرة أن أنتاج جهاز أيديولوجي خاص لتنمية وتطوير اليمن هو الحل.

بداية سأقدم لكم تعريف بسيط ،ومختصر عن الأيديولوجيا: هي أفكار مثل الأفكار الدينية ،والمناطقية، والانفصالية كما في الحالة اليمنية؛ تخدع الشعب اليمني، بحيث تتسلل الى فكرهم عبر اللغة ،والخطابات الرمزية، فتسلب وعيهم، و تجسد في خطابها تجسيد واقعيا لسلطة ومصلحة المهيمن، والخلاصة التعريفية، بأنها ذات دلالات لخدمة السلطة ،والحاكم.

عندما يضعف جهاز إنتاج الأيديولوجيا الوطنية ،تبدأ علامات التفكك على المجتمع، وعلى العلاقة بين مكوناته: الأغنياء والفقراء، الحكام والمحكومين، الموظفين والعاطلين عن العمل. لذلك لابد ،ونسارع في تطوير جهاز الأيديولوجي الوطنية، الذى يتولى إنتاج الأفكار ،والتأكد من ملاءمتها ،واتساقها، ومصداقيتها ،واستدامتها.

بالرجوع لمعادلة اليمن ما بعد الحرب أو استراتيجية بناء استقرار( سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي عسكري) / استراتيجية توحيد الخطاب الديني والسياسي = إعادة بناء الجمهورية اليمنية،

أن الإيديولوجيا ترتكز في بنيتها كما في العلاقات التي تقيمها ذواتها ( الفاعلون/ الذوات الفاعلة ses sujets) معها على النرجسية. هذا يعني أن الإيديولوجيا تعتمد على ذاتها لتحديد هوية "الذوات" وتقييمها، وتستخدم مبدأ النرجسية (الاهتمام بالذات) لإبقاء "الذوات" في خدمة أهدافها. وهذه المعادلة ابتكرها أ.د. حسن المودن، باحث، وأكاديمي، وناقد ،ومترجم ،وروائي من المملكة المغربية، ويعد من عباقرة التحليل النفسي في الوطن العربي.

مناقشة الخطاب الديني، والنفسي السياسي منطلق، و مسلمة، بأن اليمن مرتع خصب للخطاب الديني، والمتطرف ،و بالتالي القضاء على التطرف يعني بالضرورة القضاء على الأيديولوجيا( الوعي الزائف) التي توفر الإطار النظري، والتطبيقي لممارسة نشر أفكار التطرف، وبالتالي لدينا خنجر مسموم في جسد الدولة اليمنية، عبارة عن تطرف الديني بناء ايديولوجيا بنكهة نفسية، سياسية مدروسة بدقة.

يبدو أنّ التعصب الديني، عند المتنطعين أيديولوجيًا، تجاه الآخر المختلف عنهم في تدينهم، هو أكبر عقبة أمامنا في بناء دولة مستقرة ومتطورة. وعندما يتأدلج الدين لا تعود للحقيقة أهمية إلا بمقدار ما تخدم الهدف الأيديولوجي، لذلك نجد المؤدلجين دينيًا بمذهب ما، لا يستخدمون النصّ الديني لمصلحة الإنسان المُكرم إلهيًا، بل يستخدمون الإنسان لمصلحة الأدلجة الدينية ، وبالتالي تغسل أدمغة الشعب بثقافة الموت.

لماذا الأيديولوجيا المتطرفة بالذات ؟نظرًا لأنها نتاج عقلي غير سوي ، وظيفته حجب الطبيعة الحقيقية لمجتمع ما ،وهي تنبع من عقول الذين يستهدفون تثبيت نظام اجتماعي بعينه، وفي الحالة اليمنية نجحت في تثبيت الدولة اليمنية، بأن جعلتها ساحة تصفية حسابات إقليمية ،ووأدت تنمية وتطوير اليمن ،ووصلنا الى ما وصلنا اليه من فساد، وفوضى، وحروب.

يستند التطرّف الأيديولوجي، في أغلب حُججه، إلى الحقيقة والبرهان الصحيح، بالقدر الذي يستند فيه إلى شعارات سياسية مغلّفة بغلاف شعبوي، يدغدغ فيها مشاعر البسطاء؛ فتضيع الحقيقة، ويصاب الهدف بالخلل، وتتعطل البوصلة، وتصبح المقولات الأيديولوجية عناوين تتلاعب بمشاعر الشارع لأهداف سياسية تقود للدمار، وخراب البلدان.

المفترض أن الأيديولوجيا السليمة هي صورة المجتمع كما يجب أن يكون، وعندما تسود أيديولوجيا فى المجتمع ،فإنها توحد تصورات أفراده لما يجب أن تكون عليه الأمور، ومعها تكافح المجتمعات النامية مثل الجمهورية اليمنية لتغيير واقع التخلف، وإعادة بناء نفسها، وتساعدها الأيديولوجيا الوطنية في تحديد الأهداف وتعبئة الجهود، بينما الأيديولوجيا فى البلاد المتقدمة المستقرة نراها تحصن الواقع القائم وتدافع عنه.

في رأي بأن الايديولوجيا المتطرفة تنشأ عندما تنعدم المساواة، وبالتالي وجود الأيديولوجيا، واستمرارها، مرتبطان بوجود مصالح وأهداف لدى البشر، وبطريقة التعبير عن هذه المصالح والأهداف، ولما كان من المحال زوال أهداف البشر ومصالحهم، فمن المحال زوالها ،ونشير أن فلسفتي للخطاب الديني ،والسياسي، تناقش وتعالج " الخطاب المتعصب" وخصوصا النزعة الثورية التي ترى ضرورة تغيير الواقع تغييرًا جذريًا بفعل ثورة اجتماعية، وكالأيديولوجيا الإصلاحية التي ترى ضرورة التدرج في إصلاح المجتمع؛ بداية من النشء للوصول إلى الأهداف المنشودة، وهذا الأخطر على الأطلاق في الحالة اليمنية.

إن هذا التحديد المجرد للأيديولوجيا لا ينفي وجود معايير لتصنيفها في تعييناتها المختلفة، فهناك معيار الشمول الذي يصنف الأيديولوجيات على أساس مصالح الفئات التي تعبر عنها، ودرجة العصبية التي توجدها، كالأيديولوجيا القومية التي تعلن أنها تعبر عن مصالح أمة بكاملها، وكالأيديولوجيا الطبقية التي تعكس مصالح طبقة محددة، وكالأيديولوجيا الدينية محل عملنا هذا، التي تستمد أطارحها من مذهب جماعة من الناس.

-كيف ننتصر على التطرف والعصبية في اليمن؟ بهزيمة التلقين الأيديولوجي، وهو أن الجماعات الدينية تقدم تفسيراً متشدداً للإسلام، والذي غالباً ما يتميز بنهج حرفي وأصولي تجاه النصوص الدينية. بحيث ينتقون الآيات والتعاليم الإسلامية لتبرير أيديولوجياتهم المتطرفة، ويصورون أنفسهم على أنهم الحراس الوحيدون لـ “الإسلام الحقيقي ”،و يعتمدون التلقين الأيديولوجي كأداة للتجنيد، والسيطرة، ويستخدموا تفسيراً متشدداً للشريعة الإسلامية والأيديولوجية، ويستخدمون الدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي والمواد التعليمية لنشر معتقداتهم المتطرفة. ومن خلال التلقين المنهجي للشباب والكبار والأطفال والنساء، والهدف خلق أتباع مخلصين ملتزمين بأجندتهم المتطرفة، بما في ذلك العنف والإرهاب حتى لو قاد ذلك لخراب البلاد والعباد.

يستند التطرّف الأيديولوجي، في أغلب حُججه، إلى الحقيقة والبرهان الصحيح، بالقدر الذي يستند فيه إلى شعارات سياسية مغلّفة بغلاف شعبوي، يدغدغ فيها مشاعر البسطاء؛ فتضيع الحقيقة، ويصاب الهدف بالخلل، وتتعطل البوصلة، وتصبح المقولات الأيديولوجية عناوين تتلاعب بمشاعر الشارع لأهداف سياسية.

عندما يتغوّل الإنسان في أيديولوجيته، سيتحول إلى متعصّب لها، ولا يرى الآخرين إلا من خلال نظّارة أيديولوجيته، وكل ما لا يتناسب مع مقياس نظر نظارته الأيديولوجية، لا يراه إلا مشوّهًا ومخالفًا له، وهنا يجعل التعصّبُ الأيديولوجي هذا الإنسانَ مؤدلجًا متطرفًا، قد يوغل في تطرفه إلى التكفير والتفجير وسفك الدماء، وبذلك يتحوّل إلى خطر على المجتمع، ويغدو معرقلًا مشروعات الخلاص الوطني من التدخلات والإملاءات الخارجية، وفي الوقت نفسه يكون خطرًا على اليمن والإقليم والعالم بأسره.

ليس أمامنا من حل في الجمهورية اليمنية إلا بصناعة بدائل أيديولوجية منافسة للدينية المتطرفة ذات قبول وجاذبية اجتماعية، وتُبنى على فكرة أن دولة المواطنة هي رابطة وهوية جامعة، وتطرح آمالاً وغايات تتعلق بالتنمية والرفاهية، ومبدأ الوطنية في مواجهة الخطابات الدينية المسمومة، ويجب دعم الأيديولوجيات الوطنية اليمنية بروابط وأبعاد وحدوية، و اصطفاف وطني استراتيجي لحماية ودعم حقوق الجميع في الشمال والجنوب، ومن شأن هذه الاستراتيجية أن تسد نقصاً، وتلبي أو حاجة إلى انتماء أوسع من الانتماء الوطني، الذي يبدو ضيقاً للغاية في عقول البعض، الذي يكرسها المعيار الأخلاقي على أساس النزعة الأخلاقية السائدة فيها، والتي لا تقبل باليمنيين من منظور سلالي أو عرقي أو مناطقي.

إن أي أيديولوجيا يمنية ما تموت وتنتهي من أداء وظيفتها في حالين: في حال انتصار حاملها الوطني، وبروز التناقض بين الأيديولوجيا، والممارسة العملية على نحو صارخ، فما إن يبرز تناقض كهذا، حتى تكف هذه الأيديولوجيا عن إنجاب القناعة بمنظومتها الفكرية، وبأهدافها العامة.

أو في حال مرور وقت طويل على وجودها، من دون أن يحرز حاملها الارهابي انتصارًا مافي بناء اليمن ،وإصلاح حال المواطن اليمني ،فتزول بزوال شرط تطوير البلدان، وتصاب بالموات البطيء.

الخطاب المتطرف الأيديولوجي غاية عملية، وليست علمية أو معرفية، لكن الأيديولوجي يسعى دائمًا لإظهار “علموية” وب التالي مهمتنا كشف كذبها وزيفها.

لقد تحوّلت الأيديولوجيا في الجمهورية اليمنية إلى بؤرة تتبع وتقنّع السلطة ،وتلبّسها بالخطابات الإعلامية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية. لذلك تحوّل الخطاب السائد في الواقع إلى حصان طروادة، بحيث يحتوي في بنيته الكثير من التشكيلات الفكرية، والفئوية ذات الأبعاد النفعية، والمصلحية التي تعمل على خدمة الفئات المسيطرة ،والمهيمنة، وتمكين مصلحتها على حساب مصالح الفئات الأخرى الأقل استئثارًا بالسلطة، والثروة.

لكل ما سبق نستنتج أننا في تحدي/ تحديثات إعادة أنتاج الأيديولوجيا الوطنية على الصعيد الاجتماعي، والسياسي ، والاقتصادي، والثقافي، والامني ،والعسكري، وهذا جوهر ولب فكرة هذا العمل.

ختامًا؛ وقد وضعنا حلول للأيديولوجيا ،فسنخوض في العمل القادم سبر أغوار المتحكم في استراتيجية بناء استقرار( سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي عسكري)، وعمل برتوكول حل الأزمات وفق معادلات دقيقة، مستفيدين من زخم رؤى الدول العربية في الخليج العربي، وتقاطع الأهداف في الأمن ،والاستقرار، وتنمية الإقليم في مقابل احتواء المصالح، وبالتالي نحتاج طأطأه بندية، متخذين من نموذج الرئيس السوري أحمد الشرع في طأطأة رأسه لترامب ،وإن كانت غير متكافئة، لكنها مدونة في قاموس، وأدبيات مصلحة الأمة السورية ،وسلامة الوطن فوق الجميع.