آخر تحديث :الإثنين-16 يونيو 2025-04:09م

توكل كرمان: علي سالم البيض" الأب المؤسس للجمهورية اليمنية الثانية"

الإثنين - 21 أبريل 2025 - الساعة 03:00 ص
فتحي ابو النصر

بقلم: فتحي ابو النصر
- ارشيف الكاتب


في لحظة نادرة من الإنصاف، كتبت الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان كلمات حارة ومباشرة، حملت في طياتها مزيجاً من القلق الإنساني والوفاء السياسي تجاه الزعيم اليمني الجنوبي التاريخي علي سالم البيض. رسالة طمأنينة صاغتها بعد تواصلها مع نجله هاني علي سالم البيض للاطمئنان على صحة القائد، الذي وصفته بـ"أبو اليمنيين" و"الرمز الاستثنائي" و"صاحب القرار الوحيد" في ولادة الجمهورية اليمنية الموحدة.


هذه الكلمات، بما تحمله من دلالات، تتجاوز حدود السؤال عن الحالة الصحية، لتغوص في صميم المسألة اليمنية التي لم تُحل بعد. فهي تعيد التذكير بمقام الزعيم البيض، لا فقط كقائد سابق أو سياسي وازن، بل كمؤسس فعلي لجمهورية اليمن الثانية، التي وُلدت في 22 مايو 1990، يوم إعلان الوحدة بين شطري اليمن.


طبعا ما من وصف أدق من "أبو اليمنيين" عندما نتحدث عن علي سالم البيض. فالرجل، حين اختار الوحدة، فعل ذلك ليس طمعاً في سلطة ولا هروباً من أزمة، بل اتخذ القرار الأعلى كرمى لمستقبل وطن منقسم، تشرذم بفعل الاحتلالات والصراعات الإيديولوجية والانقلابات. ومن نافذة التاريخ، يمكن القول إنه الرجل الذي ضحّى بالدولة التي كان رئيسها من أجل مشروع وطني أوسع، ولو كان يعلم أنه سيكون المشروع الذي سيُغدر به.


في الحقيقة لقد اختار البيض أن يلغي نفسه كرئيس، ليصبح مواطناً في جمهورية جديدة، غير أن "الشريك" الذي قالت عنه كرمان في رسالتها "شريك كاذب"، لم يبادل هذا السمو السياسي بذات الوفاء، بل استغل الوحدة ليبسط نفوذه، وينقلب على الاتفاق، وينسف أسس الدولة المشتركة. في 1994، لم تكن الحرب مجرد نزاع سياسي مسلح، بل كانت اغتيالاً رسمياً لفكرة الجمهورية الموحدة، التي ولدتها إرادة علي سالم البيض.


تذكيرا ولم يكن الرجل بعد الحرب من أولئك الذين يساومون على المبادئ. انسحب بصمت، ولم يركض خلف مكاسب، ولم يبارك الخراب، بل ظل محافظاً على صمته النبيل، حتى عاد صوت الجنوب يعلو في المطالبة بحقوقه، ليجد فيه الجنوبيون – ويمنيون كثر – رمزاً للصمود والاتزان والوضوح.


إن الاعتراف الذي جاء من توكل كرمان ليس مجرد مجاملة، بل هو تصحيح لبوصلة التاريخ، الذي كثيراً ما زُيِّف ظلماً. ولعلها من أولى المرات التي يأتي فيها اعتراف علني وواضح من رمز سياسي محسوب على "ثورة فبراير" تجاه قائد ظل يُنظَر إليه – ظلماً – بعدسة واحدة. كرمان لم تكتف بالاطمئنان، بل حرصت على نقل الخبر لكل "شعبنا اليمني المحب للبيض"، معتبرةً أن امتنان الناس له ما يزال حياً، بل وراسخاً رغم كل ما حدث.


من المستشفى، حيث يرقد اليوم، يعود البيض إلى واجهة الذاكرة السياسية مجدداً، لا باعتباره مريضاً بل باعتباره رمزاً وطنياً ما زال حياً في وجدان اليمنيين. وفي الوقت الذي ما تزال فيه قوى الغدر تتصارع على أنقاض الدولة، يبقى اسم البيض شاهداً على لحظة وعيٍ تاريخية خالدة، صنعها بإرادته المستقلة، وارتقى فوق صراعات الفيد والاستحواذ.


نعم، قد تختلف المواقف حول ما بعد الوحدة، وقد يُساء فهم موقفه من الانفصال لاحقاً، لكن لا يمكن بأي حال إنكار أن إعلان الجمهورية اليمنية لم يكن ليحدث لولا توقيعه، ولا لولا شجاعته السياسية الفريدة. فالوحدة – كما يؤكد كل منصف – كانت قراره الحر، فيما كان الآخرون ينتظرون الفرصة لتقويضها.


لكن في زمن يُستعاد فيه رماد التاريخ دون نوره، يعيد كلام كرمان جزءاً من ذلك الضوء، الذي كان منسيّاً. وهي دعوة أيضاً للمؤرخين والفاعلين السياسيين لأن يعيدوا النظر في قراءة التاريخ اليمني الحديث، انطلاقاً من هذه الحقيقة الجوهرية: أن علي سالم البيض هو من كتب بيده بيان ميلاد الجمهورية اليمنية، وترك بصمته فيها، لا كشريك، بل كصاحب قرار.


نعم ، فليكن هذا الاعتراف بداية لرد الاعتبار، ولرفع الحجاب عن الحقيقة التي حاول كثيرون دفنها... حقيقة أن الزعيم الذي يطمئننا هاني البيض اليوم على صحته، هو ذاته الذي ما زال يُقلق أعداء الدولة والكرامة، لأنه ببساطة: كان وما زال وطنياً يُبع، ولم يُشترَ.