آخر تحديث :السبت-17 مايو 2025-09:35م

تمخّض الحراك فولد الانتقالي

السبت - 19 يناير 2019 - الساعة 08:58 م
عبده النقيب

بقلم: عبده النقيب
- ارشيف الكاتب



عبده النقيب
طالعنا الكاتب والمؤرخ القدير محمد عباس ناجي الضالعي بمقال في موقع عدن الغد جدير بالاهتمام والإثارة موسوم ب "هل يقيّم الانتقالي الجنوبي تجربته؟"
اتفق مع الأخ عبّاس في طرح مثل هذا التساؤل فهو ينتابه قلق مثل الكثيرين وانا أحدهم من تجربة الانتقالي وأثارها السلبية على مستقبل الثورة لكنني هنا اختلف معه فيما يراه اشكالا وحول ما يقترحه لإصلاح الخلل. أرى ان ما طرحه عباس صحيح وسليم نظريا في حالة ان المجلس لديه القدرة حتى على الاستماع ولا نطمع بقدرته على التقييم والتصحيح، بيد ان المجلس بكل اسف يعد فاقدا للإرادة بشكل كلي وهنا هي المشكلة وجذرها يكمن في السؤال الجوهري: من أسس المجلس ومن ينفق عليه ولماذا؟
في البدء اود ان الفت انتباه الاخوة المتعصبين مع الانتقالي والمعولون عليه بأننا حرصنا ونحرص كثيرا على ان يكون للجنوب بحراكه السلمي الاستقلالي ومقاومته المسلحة معبّر سياسي ورافعة تسند مختلف اركانه ومكوناته وهذا ما دفعنا الى التأييد الغير مشروط لإعلان تأسيس المجلس الانتقالي لما عبر عنه في بيان عدن من اهداف طالما طمحنا اليها جميعا. ولهذا ادعوهم الى التخلي عن الولاء الاعمى وعدم التمنطق بسيف مثلّم لان هذا لن يوصلنا الى ما نصبو اليه مدفوعين بوجود الأعداء المتربصين بمشروع استقلال الجنوب ومعاداة للانتقالي لأسباب شتى بعضها مناطقية واخرى حزبية او بسبب أولئك اللاهثون للتفرد بالسلطة. علينا جميعا ان نتمحص ونعيد التفكير مرة ومرات في اختيار الطريق الصحيح والأدوات والوسائل المناسبة لإثبات وجودنا السياسي على الأرض طالما وان لدينا مقاومة مسلحة وتجربة غزيرة ورؤية سياسية واضحة ووعي شعبي كاسح يسندنا في المعركتين السياسية والعسكرية بلا حدود، جميع هذه العوامل ستفرضنا رقما غير قابل للتجاهل محليا واقليما ودوليا.
ومن الانصاف هنا في رأيي انه لا يجب ان نحمّل قيادات المجلس ورموزه وزر هذا الوضع المأساوي الذي نحن فيه بقدر ما يعبّر هذا عن الإخفاق المزمن للحراك السلمي وعجزه في تأسيس وتشكيل هذا المعبّر السياسي على مدى احدى عشر عاما سبقت اعلان المجلس لأسباب لا يتسع المقام لتفنيدها.
رغم كل ملاحظاتنا الكثيرة حول الطريقة الخاطئة التي بها تشكل المجلس الانتقالي والتي عملنا وكثيرين على لفت الانتباه لها لكننا وقفنا مع الانتقالي من اجل تجاوزها لعلى المجلس يهتدي للسير في الاتجاه الصحيح خاصة وان الاجواء السياسية كانت حينها غير ناضجة لطرح مثل هذا النقد.. وحتى لا نكون مثاليين فأننا نستوعب ونقبل بوجود الكثير من الأخطاء فهذا امر وارد ومسلم به والواجب علينا نقدها والوقوف الى جانب الانتقالي لتجاوزها لأنه لا عمل بدون أخطاء.. لكن عندما يبلغ الخطأ حد ان المجلس لا يملك قراره حينها علينا الإقرار بان المجلس غير قادر على تصحيح الأخطاء التي يدركها ويراها ولا على الإيفاء بالتزاماته التي قطعها على نفسه وهذا ما اكدته الفترة التي تلت تشكيل المجلس وحتى اللحظة.. هنا يصبح النقد غير ذي جدوى بل انه مجرد عبث وخداع للذات له سلبيات ومألات قاتلة.
هنا نصل الى نتيجة اننا لسنا في خلاف مع المجلس حول التوجه المعلن عنه او حول العناصر التي تديره كأفراد او حول محاولة الادعاء بالتفرد بتمثيل الجنوب وإلغاء الاخرين او حول التكتيك الذي يتخذه لأنه لو كان الخلاف في هذا الإطار كنا سنسعى لتكثيف النقد ومحاولة الدفع بمختلف الاشكال لتجاوز هذا الأخطاء ولكان المجلس أيضا مستعدا للاستماع وتصحيح الأخطاء طالما وان النقد مدفوعا بالحرص ومن اطراف يفترض انها في نفس الجبهة المعلنة من قبل المجلس لكننا اليوم نقف امام معضلة مصادرة قرار المجلس واستخدامه كأداة بيد التحالف لاحتواء المقاومة والحراك الجنوبي.. نحن امام استسلام كلي غير مشروط للسماح للتحالف بتعريض سيادة ومصالح الوطن العليا للخطر الجسيم وبتمرير مخططاته واهدافه وتحقيق اطماعه الغير مشروعة.
هناك أسئلة ملحة يطفح بها وعينا حول قضايا أساسية أبرزها يتمثل في أين هي الخطة العملية لتنفيذ ما تم الإعلان عنه في بيان عدن وأين هي المشاركة في اتخاذ القرار حتى داخل هيئات المجلس.. فما بالنا لو تحدثنا عن علاقة وشراكة المجلس مع مكونات الثورة ومع القاعدة الشعبية التي يدعي المجلس انه يمثلها.
إذا ألقينا نظرة فاحصة حول ماهية المجلس الانتقالي سنجد أنفسنا امام كيان ليس تنظيما سياسيا وليس مظلة سياسية وليس منظمة نقابية او خيرية لان كل من هذه الاشكال لا تنطبق على المجلس لا من قريب ولا من بعيد وما ينطبق عليه انه عبارة عن مليشيا موالية للتحالف وهذه الأدلة:
المجلس تشكل بقرار فردي وليس بمشاركة شعبية
لا يمتلك أي لائحة داخلية تحكم عضويته وهيئاته
يسيّر المجلس بقرارات وتعيينات ومراسيم
يفعل ولا يفعل بكل ما يؤمر به من الامارات فقط دون جدل
لديه مؤسسات عسكرية معرضة للحظر والملاحقة عند الاستغناء عنها او تمردها
يعتمد اعتماد كليا على الدعم المالي الخارجي
لدى المجلس ميزانية مالية كبيرة وهي القيد الذي يطوق عنقه
موقفه العاجز والمتفرج من العبث الذي يطال كل شيء في الجنوب بأدوات التحالف المدعومة والمحصنة
هذه حقائق ومعطيات وليست وجهة نظر ومن يطلب تفصيل وتوضيح عن أي غموض في النقاط الأنفة الذكر فأهلا وسهلا.
وقبل ان اختم مقالي المتواضع وحتى لا أحبط أولئك الذين يعتقدون ان النضال يقتصر على حمل البندقية والاستبسال في الميادين فاني أرى ان الخروج من هذا المآزق ممكننا خاصة وان الظروف مواتية للقيام بفعل سياسي يرتقي الى مصاف التضحيات والاهداف التي نتطلع للوصول اليها من خلال وضع أساس متين لهذا العمل في عقد مؤتمر وطني جنوبي شامل تنتج عنه قيادة شعبية شرعية مستقلة واشدد على مستقلة تقود نضال الشعب الجنوبي المتأهب والذي كان للحراك السلمي الفضل في تأهيله ورفع جاهزيته استعدادا لهذه اللحظة التاريخية الفارقة.
والله من وراء القصد
19 يناير 2019 بريطانيا